فهد..بين محاكمته الأولى في آيار وحزيران 1947 ...... ومحاكمته الثانية في 10 شباط 1949 .... .... وما بينهما في سجن الكوت ... شنقه مع رفاقه يومي 14 و15 شباط
# تأريخ القبض عليه : بعد ظهر يوم 18 كانون الثاني 1947 .
# مكان القبض عليه : في محلة الصالحية من كرخ بغداد ، في بيت الصيدلي أبراهيم ناجي شميل ، مع زكي بسيم عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي العراقي .
# رد الفعل : لم يبد الأثنان أية مقاومة ، وأستسلما برباطة جأش .
# مكان الأحتجاز : المقر الرئيسي لمديرية الأستخبارات في مركز بغداد . والمرجح أنه دائرة التحقيقات الجنائية الواقعة آنذاك بين شارع النهر الحالي وشارع الرشيد خلف ساحة الغريري .
# الأشخاص الذين أستجوبوه : تم أستجوابه من قبل المفتش ( نائل الحاج عيسى ) . وهو معاون بهجت العطية . وقد تم أعتقاله بعد ثورة 14 تموز 1958 ، وتوفي في المعتقل بنوبة سكر قبل أن يتم عرضه على المحكمة . وحسب زكي بسيم أنه واجهه بالكلمات القاسية وطلب من ستة رجال شرطة تعليقه بحمالة البندقية ( الفلقة ) .
# من قام بتعذيبه ؟ حسب شهادة زكي بسيم بتأريخ 19 آيار 1947 فأن المساعد ( عبد الرزاق عبد الغفور ) قد قام بتعذيبه بنفسه. وهو عم همام عبد الغني عبد الغفور وزير التعليم العالي زمن النظام الصدامي المقبور . ومن المفارقات ، أنه تم نقله قبل شهر من ثورة 14 تموز 1958 ، من مديرية التحقيقات الجنائية ببغداد ، الى مديرية شرطة الحلة ، ولم يحاكم مع الأربعة : بهجت العطية ( مدير الأمن العام ) / عبد الجبار وهبي ( متصرف بغداد ) / عبد الجبار فهمي ( مدير السجون العام ) / سعيد قزاز ( وزير الداخلية ) .
# موقف فهد وزكي بسيم خلال الأستجواب : لم يتمكنوا من أنتزاع شيء من الشهيد بسيم . أما موقف فهد فأنه في الساعة 45 و9 من مساء ليلة القبض عليه مع رفيقه ، كان صلبا ، ولم يتعد أعترافه ، وعلى الفور : بأنه كان السكرتير العام للحزب . رافضا أعطاء أسماء رفاقه ، ومعلنا تحمله المسؤولية كلها بنفسه ، وكان جوابه : (( الحزب الشيوعي العراقي حزب سري ، ويمنعني نظام الحزب من أعلان أسم أي من أفراده ، ومن الكشف عن أي من تنظيماته )) .
يبدو أن الأجهزة الأمنية ، وطيلة الأيام الأولى من الأستنطاقات المتعاقبة ، ترسخت لديها القناعة، بأنهما لن يبوحا بأي شيء ، فجرى نقلهما ّ إلى سجن أبي غريب العسكري . وكنتيجة للأوضاع السيئة في السجن ، والبقاء في الزنزانات الضيقة والرطبة والمعدومة التهوية ، وفقدان الأحساس بالليل أو النهار . فقد تم السماح لهما ، وبعد أسبوعين بالخروج الى الشمس لمدة ربع ساعة فقط وفي 13 حزيران أعلنوا الأضراب عن الطعام ، وبعبارة فهد فأنهم : (( يفضلون الموت جوعا على الموت البطيء )).
بعد ثمانية أيام من أضرابهم، جرت محاكمتهم أمام المحكمة الجنائية العراقية العليا ، بعد المحاكمة الأولى في آيار أمام محكمة البداءة الأولى . وتشكل فريق من عشرة محامين متطوعين للدفاع عنهم ، ولكنهم أصبحوا تسعة بعد أعتقال أولهم المحامي كامل قزانجي بتهمة الدفاع عن الشيوعية . ( وقزانجي هو الشخصية الوطنية وعضو مجلس السلم، والمسقطة عنه الجنسية العراقية بعد ذلك ، زمن العهد الملكي ، والذي أستشهد لاحقا على أثر حركة الشواف في آذار 1959 في معسكر الغزلاني بالموصل . )
# التهم التي وجهت لهم :
-------------------------
1 – الأعتماد في الدخل على مصادر أجنبية . 2 – الأتصال بدولة أجنبية هي الأتحاد السوفيتي . 3 – الأتصال بحزب تودة في أيران وحزب خالد بكداش في سوريا . 4 – التخطيط لهدم النظام القائم والتحريض على العصيان المسلح . 5 – نشر الشيوعية بين أفراد القوات المسلحة .
في محاولة رخيصة من الأدعاء العام في المحكمة قارن بين : ( الأصول الوضيعة للمتهمين ، والفقر الواضح عليهم ، من جهة ، ومن جهة أخرى طباعتهم في أيام الحرب وغلاء الأسعار ، لمنشورات وكراريس وصحف بكميات كبيرة . ) وقد أجاب عنها فهد بأن : ( الحزب الشيوعي يعتمد في دخله على مبيعات صحيفة القاعدة وعلى أسهامات الأعضاء والمؤيدين . ) . كما أنكر فهد أن للحزب أتصالات مع الأتحاد السوفيتي ، أو مع أي من ممثليه . ( جريدة الزمان البغدادية عدد 22 حزيران 1947 ) .
أوضح فهد للمحكمة حول الدعوة للعصيان المسلح بأنه : ( أما كان لحزب يدعو لعصيان مسلح، أن يسلح أتباعه على الأقل ) . وفي 23 حزيران 1947 ، أصدرت المحكمة حكمها بكون فهد مذنبا ، وحكمت عليه بالأعدام ، ومثله لرفيقه زكي بسيم وأبراهيم ناجي شميل . وعلى 13 شيوعيا آخر بالأشغال الشاقة لمدد مختلفة .
ماذا جرى بعد ذلك ؟
---------------------
نتيجة للأحتجاجات في البلدان العربية المجاورة ، وأوربا ، جرى تعديل أحكام الأعدام في تموز 1947 ، فخفضت عقوبة الأعدام لفهد الى الأشغال الشاقة المؤبدة ، وعقوبة زكي بسيم الى الأشغال الشاقة لمدة 15 سنة .
في اليوم التالي لأصدار الأحكام جرى نقلهم من غرفة الأعدام التي سجنوا فيها منذ 23 حزيران، ليقيما في القلعة الثالثة من سجن بغداد المركزي . وبعدها في ليلة 14 – 15 آب نقلا الى الكوت وسجنها المشهور ، وفي قاووش جماعي . حيث أتيحت لفهد ورفاقه ، فرصة تحويل السجن الى مدرسة شيوعية حقيقية ، مستفيدين من الفرصة الذهبية التي تجمع فيها هذا العدد من الرفاق بمكان واحد . وفي هذه الفترة تم ما يلي :
# جرى أخضاع جميع أعمال الحزب السابقة للدراسة والتحليل ، وخاصة الأخطاء ، وأستخلاص الدروس ، والتركيز على العمل الميداني للنضال السري ، وأيلاء اهتمام خاص للمحكومين بمدد قصيرة للأستفادة من أطلاق سراحهم القريب .
# نجح فهد بعد ذلك ، وخلال أقامته في سجن الكوت ، بأستعادة الأتصال بالعمل السري في بغداد ، وبشكل مستمر ومنتظم ، وذلك عن طريق زيارات عوائل السجناء ، ومن النساء خاصة
# عودة جريدة القاعدة ، صحيفة الحزب الرسمية ، للظهور حاملة أفتتاحية بقلم فهد من سجنه ، بعنوان : ( معنى الهجوم الرجعي على العناصر الديمقراطية في العراق . عدد 3 حزيران 1947 ، واصفة بدقة أوضاع القادة الشيوعيين المعتقلين ) . كل ذلك أسهم في أستعادة الشيوعيين ممن لم تطالهم الأعتقالات ، ثقتهم وجهاديتهم وقوتهم .
من سجنه في الكوت ، فهد يحّث ويوجّه ... أيام وثبة كانون 1948
-----------------------------------------------------------------
رسائله الى المسؤول الأول للحزب ، يستشف منها ، على أنه كان على أطلاع تام بمجريات الأحداث .... (( أبقوا عيونكم مفتوحة وأحترسوا من كل ما يسلب الشعب مكاسبه .... من الواجب تعبئة الجماهير ، وحثها على التظاهر ، وتشكيل الوفود ، وتقديم العرائض ،والضغط من أجل ::: ألغاء معاهدة 1930 وجلاء القوات الأجنبية ، وأطلاق الحريات الديمقراطية ، وتأمين خبز لائق للشعب ، ومعاقبة نوري السعيد عميل الأستعمار الأول . )) . ويستشف منها أيضا رؤيا مستقبلية بضرورة ربط النضال الوطني وأستعادة السيادة وأخراج المحتل ، بالنضال الديمقراطي .
توجيهات فهد من داخل السجن ، تمثلت بالضغط من أجل حكومة تتألف من حزب الأحرار ( سعد صالح ) والوطنيين الديمقراطيين . تمثل نظرة ثاقبة ، بأن ما من حزب يستطيع لوحده أن ينهض بالمهام الوطنية الديمقراطية . كذلك تضمنت توصياته النص على : (( صيانة صفوف الحركة الوطنية ، وأن لا يجري أهمال أتباع الأحزاب الوطنية ، في حالة رفض أحزابهم العمل مع الشيوعيين )) . أي أن التاكتيك يجري أيضا من الأسفل . وهذا يعني تاكتيك صائب ، عبر الأتصال بقواعد الأحزاب الوطنية ، في حال تخلي قياداتهم عن الأستمرار .
مصادر المقالة :
1 – حنا بطاطو / العراق / الجزء الثاني .
2 – عزيز سباهي / عقود من تأريخ الحزب الشيوعي العراقي / الجزء الأول .
3 – الصحف العراقية : الزمان / الرأي العام / الرائد / الشعب في 22 حزيران و24 حزيران و25 حزيران 1947 .