نعمت الاغا
لقد كان للثورات العلمية والاكتشافات المتتابعة خلال القرن العشرين وما تبعها الأثر البالغ على طبيعة الأداء الاقتصادي لجميع الدول المتقدمة وشعوبها من حيث معدل الإنتاج وكفاءته، واعتماده على المعرفة والمعلومات، وتشبع الاقتصاد بالمكونات المعرفية من خلال مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة .
وترتب على ذلك تطورات وتغييرات مواكبة في أنماط العمالة القادرة على إنتاج مختلف المنتجات، وأحدثت تغييرات بليغة على حياة الناس وأساليبهم وتعليمهم، وإدراكهم لمختلف جوانب الحياة، من قيم الجهد والثروة والإنفاق والادخار، وكافة أنشطة الثورة المعرفية .
وهنا ظهرت قوة المعرفة، كما يشير أ. د. فتحي الزيات في كتابة « اقتصاد المعرفة « :» إن المعرفة قوة، قوة علمية ومعرفية وتكنولوجية، وقوة اقتصادية إنتاجية، وقوة عسكرية، تحمي وتدعم الإنتاج المعرفي التكنولوجي، والنظام السياسي . وقد ترتب على ذلك تزايد الإدراك لدى مجتمعات المعرفة واقتصاد المعرفة . ان القوة المعرفية تقود الى القوة الاقتصادية، وهما معا تمثلان المعيارين الأساسيين لقوة الدول وتقدمها وسيادتها، واعتمادا على العلم والعمل وإبداعات التكنولوجيا .»
ونتيجة لذلك بدأت كثير من الدول إحداث تغييرات أساسية في نظمها التعليمية وآلياتها وأساليبها باتجاه التطوير والتحديث الذي يواكب الأنشطة الصناعية، والاقتصادية والمعرفة وما يستجد من التكنولوجيا وطرق الإنتاج والتسويق لهذه الأنشطة، التي أحدثت التغييرات العميقة في حياة المجتمعات البشرية بما حملته لهم من نواتج معرفية.
ان ما حدث من تغييرات هائلة في صناعة واقتصاد الدول المتقدمة وما رافقه من أحداث أثرت على الوضع العالمي، وتنوع أسواق رأس المال كان لها الأثر المباشر في تحول طلب المستهلكين من شراء السلع إلى شراء خدمات واسهم إنتاج وتوزيع واقتناء المعرفة والتكنولوجيا في التغييرات الاقتصادية التي أخذت مكانها في عالم اليوم، من خلال خطط بعيدة المدى لتطوير التعليم وبناء مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، وانطلاقا من تبني المناهج والفلسفة والآليات الملائمة .
« لقد بات تقدم الدول والمجتمعات رهنا بتفعيل المفردات التقنية وآليات المعرفة اقتناء واكتسابا، واستيعابا وتوليدا وإنتاجا وتوظيفا في مختلف صور انشطة الحياة . « نفس المصدر السابق . وبما ان الدول المتقدمة هي الأكثر وعيا بآثار تفعيل آليات المعرفة ومفرداتها، لهذا نراها تستثمر كامل طاقاتها، وجميع إمكاناتها التقنية والبشرية والمعرفية لإنشاء بنية مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة، تطوراته التي تشمل المكونات والبرامج والآليات، وتفعيل عدد من الاسياسيات التي تستهدف تطوير التعليم وبناء مجتمع المعرفة واقتصاد المعرفة .
ان الشعارات الملائمة لعصرنا المتغير هي : شعارات التربية المرنة والتعليم الذاتي والتربية المستمرة وهي القادرة ان تنتج الإنسان المبدع المجد، والذي يمتلك القدرة على التكيف مع المتغيرات المستجدة، بفضل مرونته المعرفية وقدرته الذاتية على التعلم وهذا يتطلب تبني فلسفة حديثة تلائم العصر وتطور التعليم وتحقق مرونة واسعة في البنى التربوية وهياكلها ومناهجها وأساليبها، وفي طلبتها من حيث العمر والمستوى التعليمي، والمستويات العقلية .