مجتمع مدني

دور الشباب في الحركة الاحتجاجية / اتحاد الشبيبة الديمقراطي

 
نص الورقة التي قدمها مكتب سكرتارية "اشدع" الى المؤتمر حول دور الشبيبة في الحركة الاحتجاجية المدنية
شهد بلدنا في الأسابيع الماضية موجة احتجاجية كبيرة عمت اغلب المحافظات شارك فيها مئات آلاف العراقيين من مختلف الاعمار والفئات والشرائح، وشكل الشباب النسبة الاكبر فيها وتصدرت قيادتها كمجاميع وتنسيقيات شبابية.
لقد اشتركت في التظاهرات الشعبية اعداد هائلة من المواطنين والمواطنات جمعتهم هموم مشتركة ومعاناة متفاقمة من سوء الخدمات واوضاع معاشية تزداد صعوبة وانتشار البطالة وتداعيات المعارك ضد الارهاب، لا سيما في صفوف الشباب الخريجين، ومن سوء اداء ومعاملة اجهزة الدولة التي ينخرها الفساد المستشري في جميع مفاصلها ومستوياتها.
وتوحدت مطالبات المتظاهرات تحت عدد من العناوين شكلت بمجموعها تطلعهم المشترك إلى تغيير حقيقي في أوضاع البلاد المأزومة التي يسلب استمرارها الأمل في مستقبل لدى عموم شعبنا، وفي اوساط شبيبته بشكل خاص.
ففي حين برزت شعارات مطلبية وخدمية اول الامر، سرعان ما تطورت خصوصا في بغداد لتتحول الى شعارات تطالب بضرب الفساد والمفسدين، ومحاسبة كبارهم بشكل خاص، والقيام باصلاحات جذرية في النظام السياسي القائم على نظام المحاصصة الطائفية والأثنية وتقاسم السلطة والثروة بين القوى القابضة على مفاتيح السلطة، والمسؤول عن الفشل في اداء الدولة واجهزتها. وقد انعكس ذلك بالمطالبة او العمل لتحقيق "الدولة المدنية الديمقراطية" و"العدالة الاجتماعية"، وبإصلاح السلطة القضائية المتهاونة في مقاضاة كبار الفاسدين ، إن لم تكن متواطئة ومتسترة عليهم.
وقد اجتمعت الحشود الشعبية والشبابية على وجه الخصوص، في التظاهرات تحت هذه الشعارات والعناوين التي تعبر عن سخطها إزاء ما آلت اليه احوال البلد الاقتصادية والاجتماعية والانقسامات في المجتمع وازدياد الهوة بين الذين يتمتعون بالامتيازات الفائقة والدخول العالية وراكموا الثروات من اموال السحت الحرام والفساد وبين الملايين من العراقيين الذين يعيشون تحت خط الفقر والشباب والشابات الذين تزدحم بهم صفوف العاطلين والباحثين عن عمل او وظيفة باتت شحيحة ومستحيلة إن لم تكن من الموالين لقوة او حزب متنفذ او من اقارب احد مسؤوليهم أو قادرا على "شرائها".
ولم تخلُ ساحة التحرير وساحات التظاهر في باقي المحافظات من مشاركة الشباب بقطاعاتهم المتعددة، فشاهدنا مشاركتهم كطلبة وعمال وفنانين ومهندسين والعدد الاكبر من العاطلين والفئات المهمشة عن العمل والخريجين العاطلين عن العمل حاليا بسبب تردي الوضع الاقتصادي وعدم وجود فرص للتوظيف الخ، كما كان الوجود الشبابي في التظاهرات بارزا ضمن منظمات المجتمع المدني وتجمعات المبادرات المدنية.
وكان من الطبيعي أن تشارك المنظمات الشبابية الديمقراطية بمختلف مسمياتها وعناوينها، كاتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي واتحاد الطلبة العام في جمهورية العراق باعتبارها منظمات جماهيرية تعمل بصلب مشاكل الشباب. ولكن يطرح تساؤل عن مدى مشاركة هذه الاتحادات والمنظمات الديمقراطية في هذه الحركة الاحتجاجية وحجم التأثير الذي مارسته على الجماهير وشريحة الشباب.
وقبل الاجابة على هذا السؤال هنالك ظاهرة يجدر بنا الاشارة اليها وهي نضوج الوعي المطلبي والاحتجاجي للمتظاهرين بصورة عامة والشباب على وجه الخصوص، كما انعكس في مشروعية وعدالة مطالبهم والطابع السلمي المتحضر للتظاهرات، واحتفظت بوجهتها السليمة على الرغم من الاعتداءات التي مورست بحقهم والمحاولات الحثيثة لجر المطالب الجماهيرية الى خانة التسقيط السياسي والعنف الذي يختلف تماما مع التوجه المدني والحضاري لحركة الجماهير التي تطالب بالإصلاح.
ومن خلال توالي التظاهرات واستمرارها لأسبوع تلو آخر على مدى ما يزيد على الشهرين، شهدت مواقف القوى والتيارات السياسية الاسلامية تحولات في خطابها وتحركاتها، على خلفية مشاركة واسعة من اهالي المناطق التي تضم جمهورهم، للتناغم مع المطالب الشعبية وزيادة تأثيرهم على هذا الزخم، ولكن مشاركتهم في بعض التظاهرات اضافت زخما إليها وجرت وفق الأسس والشروط التي وسمت سائر التظاهرات بالطابع السلمي والمدني، ولم تنجح محاولة بعض الجهات للالتفاف على مطالبها بالخلاص من الطائفية السياسية ونظامها التحاصصي الى سجالات عقيمة.
ومما لا شك فيه هنا ان دور المرأة شغل مساحة لا يمكن اغفالها بتصدر المشهد ومشاركة زملائها الاخرين في التظاهر والمطالبة بالحقوق. وكانت المرأة العراقية مثالا ونموذجا يدعو إلى الفخر وعلى المعنيين بادامة الزخم ايجاد وسائل لجذب عدد اكبر من النساء الى التظاهر.
تعشيق جهود المنظمات والتنسيقيات في التظاهرات
عودا الى السؤال المطروح عن ما قدمته المنظمات الديمقراطية الشبابية والتحديات التي تواجهها فان اردنا ان نشخص المشاركة كتقييم عام. يمكننا القول بانها مقبولة من حيث العدد والتأثير في بغداد والمحافظات، الا ان الحركات التي رُصدت بوجود تنسيقيات اخرى ومجاميع ومنظمات مجتمع مدني لا بد من الاتصال بها والتنسيق معها والعمل بصورة جدية على تعشيق الجهود بغية اشراك اكبر عدد ممكن من الشباب ضمن رؤية واضحة لشكل الاصلاح المطلوب. ومن الناحية الاخرى كان الشباب على مستوى الوعي وخرج في تظاهرات مؤيدة لحزم الاصلاحات التي قُدمت من قبل الحكومة رغم انها ليست بجوهرية، ولكن لم يشهد الشارع العراقي حتى الآن اصلاحات حقيقية ويصطدم تنفيذ حزم الاصلاح بالمماطلة والتسويف كما تطلق الوعود غير الواقعية.
ونحن ننظر إلى دور المنظمات الشبابية الديمقراطية على خلفية المشاكل الكثيرة والمتشعبة التي يعانيها الشباب اليوم. وتنتشر هذه المشاكل على مفاصل مهمة جدا من الناحية السياسية ومحاولة المتنفذين اقصاءهم عن العمل السياسي وتزييف وعيهم باتجاه عدم مناسبة اعمارهم رغم انهم النسبة التصويتية الاعلى في الانتخابات المحلية والبرلمانية.
والجانب الاخر هو الجانب الاقتصادي، فما زالت هذه الشريحة التي تمثل النسبة الاكبر من المجتمع العراقي تعاني البطالة والحرمان والتهميش جراء السياسات الاقتصادية المتبعة واصرار المتنفذين على اقامة نظام اقتصادي تتحدد سماته بالاتجاه الى السوق الحرة وسحب يد الدولة عن هذه العملية وتحويلها الى رقيب، في حين اننا لم نشهد سوى ترد في الواقع الاقتصادي وانهيار تام قوبل بتعطيل القطاعات الانتاجية المهمة ورهن مصير البلد بالعائدات النفطية وتحويل اقتصاد البلد الى اقتصاد ريعي احادي الجانب وتابع في الوقت نفسه.
وعلى الصعيد الامني وهو الاخطر تعيش هذه الشريحة اجواء امنية مشحونة وانفلات واضح للامن في عموم المحافظات وسيطرة شبه تامة للعصابات على الحياة اليومية والتحكم بمصير وحريات الاخرين في حين اننا نشهد حربا ضروسا ضد قوى التكفير والارهاب، رغم هذا فان عملية التصدي للارهاب اليوم هي من نصيب الشباب وقد نالوا الحصة الاكبر منها وخسر البلد اعدادا كبيرة من الشهداء في المعارك او نتيجة الاعمال الارهابية داخل المدن، وعلى هذا الاساس لم تعمل الحكومة الى ايجاد حلول حقيقية لتوفير شروط البقاء للشباب من ناحية المعيشة او العدالة في توفير فرص العمل وابسط متطلبات الحياة الكريمة.
تحذير من استمرار هجرة الشباب
واجتمعت كل هذه المشاكل لتصبح عبارة عن كتلة من المشاكل المتراكمة التي جعلتنا نقف امام مفصل خطر آخر، الا وهو هجرة الشباب الى خارج البلد بصورة شرعية او غير شرعية، وهي الاكثر، حيث راح ضحيتها عدد كبير من الضحايا نتيجة عبور البحر بعيدا عن اجراءات السلامة واحترام حياة الانسان. ومما تجب الاشارة اليه ان كل التشخيصات التي ذكرناها اعلاه تمثل الهدف الاكبر لشكل الاصلاح والتغيير المطلوبين، وعلينا في الفترة القادمة العمل على صياغة خطوط مطلبية شبابية يمكن تحويلها الى رأي عام، كالتركيز على سبيل المثال لا الحصر، على اللجان البرلمانية التي يتعلق عملها بشريحة الشباب والتي لا نتلمس عملها وتبدو مخفية عن الانظار، ولا يذكرها اي احد لمحاسبتها ومطالبتها بتقديم ما يمكن تقديمه من خلال عملهم. وهناك ايضا عمل وزارة الشباب والرياضة وعدم ذكر اي فقرة بالخطة الاصلاحية لرئيس الوزراء تحمل رسالة أو خطوة مهمة تجدي نفعا للشباب، في المرحلة الآنية على الاقل، كما يمكن ان ننطلق من الفقرات الدستورية التي تنص على حق العمل لكل مواطن بتشديد المطالبة بتوفير فرص عمل للشباب، ومن نواح اخرى يمكن التركيز عليها لتكون الثقافة المطلبية مستندة على فقرات ومواد علمية موجودة أصلا هذا .