- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 07 شباط/فبراير 2016 20:28

كان وما زال يوم 8 شباط الاسود من العام 1963.. تاريخا للظلم والعنف والإرهاب الدموي، وبداية مظلمة في تاريخ العراق ، ذلك التاريخ الذي أحاله البعث المجرم ،إلى صفحة سوداء معبأة برصاص الموت والقتل والتشريد والعدوان وانتهاك الحقوق، انه تاريخ مغولي يستعيد هولاكو وجنكيز خان وداعش وغيرها من مجرمي التاريخ ودهاقنة الترويع والاغتصاب وصناع الموت وتجار الجريمة، وأعداء الحياة.
ورغم أن البعثيين قد اعترفوا علانية أنهم وصلوا إلى بغداد بقاطرة أمريكية، وأنهم مدينون لأمريكا في انقلابهم الدموي، إلا أن العالم كان يتفرج على جرائمهم التي استباحوا فيها كل المحرمات، وتعدوا كل الحدود، وعبروا كل الخطوط، وسفكوا الدماء وقتلوا الأبرياء، لكن البعض كانوا فرحين بما يجرى، وهم مستاؤون، لان عبد الكريم قاسم وزع الأراضي على الفلاحين وحارب الإقطاع وحجم دورهم السياسي في البلاد، وحاصر هم، وقلم أظافر رجال الحكم السابق، وأعاد الأرض العراقية إلى أصحابها الشرعيين، بموجب قانون الإصلاح الزراعي رقم 3 لسنة 1958، واستعاد الأرض الوطنية بعد أن كانت مرهونة لشركات النفط الاحتكارية، بموجب القانون رقم 8 لسنة 1962، وحرر العملة العراقية من قيد الإسترليني، واخرج العراق من حلف بغداد.
إن الثامن من شباط يجب أن يتخذه العراقيون جميعا يوما وطنيا يتم فيه استذكار شهداء العراق وزيارة المقابر للوقوف على أضرحة الشهداء وإسراج الشموع، وحمل باقات الورد الأحمر، وإقامة مهرجانات الشعر، وزيارة عوائل الشهداء الذين قدموا أرواحهم على مذبح الدفاع عن الجمهورية الأولى.
ففي ذلك اليوم الأسود وما تبعه من أشهر تسعة، كانت قطعان الحرس القومي قد انطلقت من طينتها الخبيثة، فاستباحت الجامعات والمعاهد والاعداديات، وأغرقت البلاد في بركة من الدم وحولوا الملاعب والمتنزهات والقصور إلى زنزانات للتعذيب و القتل وانتهاك الحقوق واستلاب الحريات، وأوغلوا في محاربة العلم ورجال العلم والمعرفة والثقافة، واستمرت وحوش البعث المنفلتة لتمارس لعبتها القذرة في هتك الأعراض والتعذيب واستباحة المحرمات ومطاردة المناضلين واغتصاب الطالبات وإفراغ معاهد العلم من رجالها وأساتذتها ومدرسيها وتحولت ارض العراق من شماله إلى جنوبه إلى محرقة مجنونة تأكل الأخضر واليابس.
ونحن في هذه الأسطر المحدودة، لا نستطيع أن نسجل كل ما ارتكبته تلك العصابات من أعمال وانتهاكات وخروق لا يتحملها العقل البشري في زماننا هذا، لان الجرائم التي ارتكبت في هذه الأشهر التسعة (من 8شباط 1963– 18 تشرين الثاني 1963) كانت علامة سوداء وتاريخا موشحا بالدم والإبادة والذبح، فقد امتلأت السجون وغرقت المعتقلات من دماء المناضلين وطفحت أقبية الموت بجثث رجال العراق وأبنائه وبناته.
في الرابع عشر من تموز من العام 1958 انطلقت الثورة التي أعادت العراق إلى حظيرة الدول المتحررة من نير الاستعمار، فأطلقت الحريات، وأرعبت الدوائر الامبريالية والحكومات الرجعية والمستبدة والظالمة، والمعادية لشعوبها، وفتحت نوافذ العراقيين المغلقة، وقدمت الانجازات الكبيرة قياسا بسنواتها القليلة والتي لا تزيد على الخمس سنوات فقد اقتحمت أسوار شركات النفط الاحتكارية وحررت الأرض العراقية المغتصبة من تلك الشركات بالقانون رقم 8 للعام 1962. ومنحت الشرائح الاجتماعية المظلومة قطعا سكنية وأصبح الفقراء سياج الثورة. إن هذا قد حرك مكامن الخوف والرعب في دواخل أعداء العراق، فتناخوا مع الشيطان واسقطوا الثورة وقتلوا قادتها واستباحوا منجزاتها.
وهكذا جاءت الردة السوداء معززة برغبة ودعم الشركات الاستعمارية وشيوخ الإقطاع ورجال النظام السابق وغيرهم من الحكام العرب آنذاك، فأسقطوا الثورة، وأقاموا نظاما مسخا، سداه ولحمته، البطش وسفك الدماء وتكميم الأفواه والقتل والسجن والتشريد.
لقد كانت تلك الردة السوداء، وصمة عار في تاريخ البعث الملطخ بدماء شعبنا، وفي الوقت نفسه فان تلك الردة قد وضعت الحجر الأساس، للحكم المبني على التفرد وإقصاء الآخرين والحزب الواحد والفكر الواحد واللون الواحد والقائد الواحد.
وليس غريبا أن يكون الشيوعيون أول من يتعرض لهم البعث، وأول المناوئين للانقلاب ألبعثي، وهم الذين تصدوا للانقلابيين بأجسادهم العارية. كما انه ليس غريبا أيضا أن تكون الجماهير الفقيرة والشرائح الاجتماعية في قاع الهرم الاجتماعي، هي من تصدى لهؤلاء المارقين بأسلحة بدائية جدا.
ونحن إذ نستعيد تلك الأيام السود في تاريخ شعبنا، والذي يؤشر فظاعة الجرائم وحجم الخروق، والفكر السوداوي، ونظرة العداء والكراهية لكل ما هو خير وجميل ونظيف في مجتمعنا، وأسلوب العنف وإقصاء الآخر، لا بل إبادة الآخر، إن هذا يضعنا أمام الاعتبار والمراجعة واخذ التجربة من تلك الأحداث المأساوية التي أحالت البلاد إلى بحيرة دم ومحرقة للموت.
الخزي والعار لقطعان الحرس القومي الذين استباحوا كل شيء وأراقوا الدماء وزرعوا الموت
ووزعوا جرائمهم على الجميع من دون أن يسلم من جرائمهم احد.
الخزي والعار للبعثيين الأوباش الذين أحالوا العراق إلى مجزرة ومذبحة لأبناء العراق الغيارى على وطنهم، وحطموا كل جميل في بلادنا، وزرعوا الموت والدموع في كل بيت، وروعوا العوائل واحرقوا الأخضر واليابس.
ومجدا وخلودا لشهداء ثورة 14 تموز وعلى رأسهم الزعيم عبد الكريم قاسم ووصفي طاهر وفاضل عباس المهداوي وغيرهم من قادة الجيش العراقي الأبطال، مجدا وخلودا لأبناء القوات المسلحة الذين استشهدوا دفاعا عن الثورة.
المجد والخلود لشهداء الحزب الشيوعي العراقي.. سلام عادل، محمد حسين أبو العيس، جمال الحيدري، وغيرهم من المناضلين الأبطال الذين واجهوا الردة السوداء بصدورهم العامرة بحب العراق وصلابتهم وإيمانهم القوي وصمودهم البطولي، وتحية إجلال وإكبار لكل شهداء الحزب الشيوعي العراقي.