فضاءات

استرداد عقار الحزب في الديوانية / المحامي عبير محمد حسين الهنداوي

في سبعينيات القرن الماضي اشترى الحزب الشيوعي عدة عقارات من امواله الخاصة المكونة من اشتراكات اعضائه لان الحزب لا يمتلك اي استثمارات او شركات او دعم من اي جهة خارجية، وهو لا يمتلك سوى حب وقناعة الناس وهؤلاء حينما يدفعون اشتراكهم او تبرعاتهم فهم مقتنعون انهم لا يقطعونها من قوت وارزاق عائلاتهم، بل هم يدفعونها الى عائلتهم الكبيرة الممثلة بالحزب.
وحيث ان قوانين النظام السابق كانت متخلفة وخصوصا في مجال الحريات وعدم وجود قانون للاحزاب السياسية وبالتالي فان الحزب لم يكن يتمتع قانونا بالشخصية المعنوية التي تسمح له بان يسجل هذه العقارات باسمه مما اضطره الى ان يسجلها باسماء البعض من اعضائه.
واحد من هذه العقارات هو العقار المرقم ( 248/312/محلة السراي) في الديوانية وقد سجل باسم عضوة قيادة الحزب في الديوانية الشهيدة فوزية محمد هادي عباس (ام سعد) وقد اتخذ مقرا اللجنة المحلية في الديوانية.
وبعد الهجمة البربرية لسلطة حزب البعث على الحزب الشيوعي في عام 78 تمت مصادرة هذه العقارات ومن ضمنها العقار المذكور اعلاه استنادا الى كتاب صادر من مديرية الامن العامة 10/6/1979 وموجه الى وزارة المالية، ننشر نصه:

ثم صدرت كتب لاحقة من دوائر مختلفة في وزارة المالية ومن دائرة ضريبة الدخل، ووصل الامر الى حد اصدار قانون شرعته السلطة الدكتاتورية عبر مجلس قيادة الثورة المنحل في قرار صدر يوم 4/8/1980 وكان يسمى في الدوائر الامنية ودائرة عقارات الدولة مجازا بقانون الاحزاب المعادية، وننشر نصه بجانب هذا المقال ايضاً.
بعد سقوط النظام الدكتاتوري وتأسيس هيئة دعاوى الملكية تم تنظيم دعوى باسم ورثة الشهيدة فوزية محمد (ام سعد) وتمت اخيراً اعادة العقار باسماء ورثتها وهم كل من زوجها الرفيق ابو سعد (ناصر حسين ناصر) وولدها سعد ناصر حسين وشقيقها الرفيق كاظم محمد هادي وشقيقاتها الرفيقات رسمية وعلية محمد هادي واختها لوالدتها شكرية مانع جميل.
يقع العقار وسط مدينة الديوانية في منطقة تجارية ومساحته تبلغ 206 امتار مربعة،
ويمكن ان يؤمن مصدر دخل جيد لهذه العائلة لو بيع او استثمر بطريقة تجارية. السؤال الذي يطرح نفسه هنا ماذا كان موقف عائلة الشهيدة ازاء هكذا عقار ووفق هكذا مواصفات مالية وتجارية ؟
كنت اتابع المعاملة استرداد العقار، واراقب هذه العائلة التي ابهرتني بنزاهتها وقناعتها وابائها وشرفها المهني والسياسي، وعلى الرغم من بساطة حياتهم التي يعيشونها الا انهم في كل ممارساتهم العملية وليس بالكلمات فقط ، كانوا يجسدون المقولة التي تؤكد ان الشيوعيين يتميزون بالنزاهة وانهم لا يمدون ايديهم الى اموال غيرهم، فكيف باموال الحزب ذاته، كانوا يؤكدون ان الشيوعيين هم من يشرفون المال وليس المال يشرفهم.
لقد اعادوا العقار الى حزبهم وهم فرحون جدا، وفي اللحظات الاخيرة لاكمال معاملة التسجيل العقاري كانوا جميعا مبتسمين وجميعهم يقولون انهم اليوم قد اكملوا مسيرة الشهيدة، لانهم اعادوا الامانة التي إئتمن الحزب ابنتهم عليها.
لم يكن الشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري مخطئا حينما قال :
سلام على ناكرين كرام النفوس يذوبون في المجمع الصاهر
وهذه العائلة الكريمة قد انكرت نفسها واندمجت في العائلة الكبيرة الا وهي حزبهم الكبير الحزب الشيوعي العراقي، فسلام لهم جميعا وسلام على الشهيدة فوزية محمد هادي عباس .