- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 08 آذار/مارس 2016 10:05

سألوا رجلاً: ايهما اجمل .. امك ام القمر؟؟ قال: إذا رأيت امي نسيت القمر..وإذا رأيت القمر تذكرت أمي.
نعم القمر دائماً في خيالي .. قصصها واحاديثها المشوقة. هي تحب ان يستمع لها الاخرون، وأنا متشوق دائماً ان اتعرف عن طفولتها وكيف نشات وترعرعت في ظل تقلبات سياسية تعصف بالعراق بين قترة وأخرى.
كنت اجلس معها ساعات طويلة واستمع الى حكايات تكسر اوجاعها عن طفولتها وكفاحها في مجتمع لازال يقاوم الجهل والعبودية مما دفعها ان تكون ناشطة في الدفاع عن حقوق المرأة والمشاركة في الحراك السياسي.
قالت لي ذات يوم إن نشاطات يوم المرأة يجري في عروقي وهي موجودة طيلة ايام السنة وليس فقط في الثامن من آذار .. كانت تتذكر كيف ارتبطت برابطة المرأة العراقية في الشطرة، وكيف كانت ورفيقاتها يخاطبن النساء من خلال تجمعاتهن في الاعراس ومراسيم الحزن ، وكيف يذهبن الى الارياف لتوعية النساء الريفيات عن مفاهيم الاسعافات الاولية ورعاية الطفولة. كما كانت تتحدث عن حراكها السياسي ومشاركتها في المظاهرات النسوية أيام الحكم الملكي ،وعن شجاعتها عندما كانت تخفي بيانات سياسية ترسلها الى خالها المعتقل في سجن الناصرية وبالعكس.
نشأت والدتي وترعرعت في عام 1930 وسط عائلة سياسية مكافحة، ثم تزوجت من ناشط مدني لم يمنعها من حراكها المدني في ذلك الوقت الذي كان فيه فسحة من الحرية والتطور الاجتماعي ،ولكن رغم كل هذه المساحة من الحرية إلا ان حالها كحال النساء العراقيات بقيت حريتهن وقضيتهن منقوصة أمام القانون والمجتمع الشرقي الذي يرتبط بتطور المجتمع سلبياً كان أم ايجابياً.
" لقد طرحت قضية المرأة العراقية في بداية العشرينات والثلاثينات من قبل رجال متنورين مثل حسين الرحال وزملاءه، كانوا يعون اهمية دور المرأة في المجتمع، والتقطوا مطلبين رئيسيين آنذاك وهما تعليم المرأة، والسفور وهذه الحملة اشترك فيها شعراء كالرصافي والزهاوي وحلقة ضيقة من النساء. واعطت الحملة نتائجاً ايجابية والملفت للنظر أن هذا التطور لم يجابه بمقاومة شديدة من قبل علماء الدين، بل العكس اكدوا على التعليم رغم انهم عارضوا مطلب السفور معارضة غير متشددة".
ورغم وعي أبيها الذي كان يسارياً إلا أنه منعها من التعليم في المدرسة ، وكانت تعتصر حزناً على رفض ابيها. كانت تقول لي أنها تجلس على عتبة الدار في وقت ذهاب وعودة الطلاب من المدرسة وهي تبكي. وكان حلمها ان تعلق كيس قماش على رقبتها (حقيبة ايام زمان) لكي تضع فيه الكتب وترافق الطلاب الى المدرسة .
اصبحت حالتها ملفتة للنظر في محلة السراي في وسط الناصرية، فعطفت عليها خياطة يهودية كانت جارتهم، وعلمتها فنون الخياطة والتطريز. أما التعليم فبعد اصرار من جدتي وافق والدها على تعليمها لدى (الملة) وهو رجل دين يعلم القراءة والكتابة والتعاليم الاسلامية.
استمرت والدتي تتعلم عند الخياطة اليهودية الى أن جاءت الحرب العالمية الثانية والتي اثرت على انقطاع الاستيراد في العراق والاعتماد على الصناعات المحلية فتفرغت بشكل كامل في مساعدة ابيها الخياط المشهور آنذاك في وسط سوق الناصرية. لكن المجتمع لم يسمح للمرأة العمل خارج البيت فكانت عليها مسؤوليات مضاعفة وهي المساعدة في الاشغال المنزلية و في تربية إخوانها الاطفال اضافة الى الخياطة.
كبرت أمي وهي لازالت تكافح من اجل اسعادنا واحفادها ، ولا زال أيضاً همومها مرتبطة بقضايا الوطن.
ورغم نضالها ونضال المرأة العراقية إلطويل إلا أن محاولات تلك النسوة لم تفلح، خصوصاً أن النساء من الفئات الأكثر تأثراً بالأزمة الشاملة التي يمر بها المجتمع العراقي. كان حديثي معها في اخر مكالمة بيننا يوم امس عن مظاهرات يوم الجمعة في ساحة التحرير فقالت لو كانت أرجلي تعينني لتقدمت امام المتظاهرين لتعزيز صفوفهم والشد على اياديهم. وهي تستغرب من مشاركة المرأة العراقية الضعيف في المظاهرات، كما و تدعوا كافة النساء العراقيات للمشاركة الحقيقية والفاعلة من اجل اجراء الاصلاحات ومحاربة الفساد. وأن لا تغفل اهميتها في بناء المجتمع.
فألف تحية لأمي وللمرأة العراقية في كفاحها من اجل تطوير المجتمع العراقي وتهنئة من القلب في هذا اليوم لنساء العالم.
النرويج في 8 آذار 2016