- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 24 تموز/يوليو 2016 17:58
متابعة "طريق الشعب"
مرت أول امس السبت، الذكرى المئوية لافتتاح شارع الرشيد، الشارع الأول والأقدم في بغداد، الذي يشق المدينة من أقصى الشمال (الباب المعظم) إلى أقصى الجنوب (الباب الشرقي) بطول 3,120 كيلومتر.
يقع على جانبي الشارع الذي بدأت فكرة إنشائه ابان نهاية الحكم العثماني في العراق عام 1908، الكثير من شواخص بغداد التراثية والثقافية والفلكلورية والعمرانية والسياسية، التي هي الآن في حال يرثى له، نتيجة الإهمال.
وكان حاكم بغداد العثماني خليل باشا، قد افتتح في 23 تموز 1916 جزءا من الشارع يمتد من منطقة الباب المعظم، إلى منطقة السيد سلطان علي، بعد ان قام بتعديل الطريق وتوسيعه، وسمي وقتها بـ "جادة خليل باشا" و"خليل باشا جادة سي"، وبعد دخول الجيش البريطاني إلى بغداد عام 1917، تم افتتاح الشارع كليا. وقد سمي بـ "شارع الرشيد"، بعد تأسيس الدولة العراقية عام 1921.
في بداية افتتاحه كان الشارع عبارة عن مسار تقع على جانبيه أبنية مهدمة تمت إعادة بنائها، ثم صممت أبنية جديدة شكلت بداية لنهضة عمرانية في عشرينيات وثلاثينيات القرن الماضي، واتسمت بملامح وخصوصية معينة، تأثر البعض منها بالحداثة الكلاسيكية الأوربية التي كانت سائدة حينذاك، وقسم آخر منها اتسم بالكثير من الحرفيات التي كانت سائدة في المنطقة، إضافة إلى الملامح التي جلبها بعض الحرفيين من الأقاليم المجاورة للعراق مثل سوريا ولبنان.
في أربعينيات القرن الماضي وما بعده ظهرت تصاميم جديدة لمعماريين عراقيين رواد، الذين اضفوا على الشارع ملامح معاصرة، بضمنهم جعفر علاوي ورفعت الجادرجي ومحمد مكية. وشيدت في منطقة حافظ القاضي أولى الأبنية المتميزة بحداثة تقليدية بسيطة تختلف عن النهج الثلاثيني الذي كان سائدا. وبهذا كانت بداية ظهور الحداثة في العراق، في هذه المنطقة التي ضمت أبنية لا تزال قائمة حتى اليوم.
في ستينيات القرن الماضي بدأ المعماريون ينهجون نهجا جديدا في تصاميم أبنية شارع الرشيد، بما يلائم الظروف البيئية والاجتماعية. وقد بدت العمارة العراقية معاصرة ومتواصلة مع الماضي في الوقت نفسه.
يعكس شارع الرشيد الحياة الاجتماعية والحضارية والثقافية العراقية، الممثلة في الكثير من الأبنية المهمة التي تعدّ منبرا للثقافة والسياسة والعلم. وقد شهد الشارع الكثير من الاستعراضات العسكرية والاعتصامات والتظاهرات والمواجهات والاحداث السياسية، بضمنها استعراض الجيش البريطاني عند احتلال بغداد 1917، وانقلابي 1963 و1968، وحادثة محاولة اغتيال الزعيم عبد الكريم قاسم 1959.
ويضم الشارع أهم المراكز التجارية للتسوق التي ظهرت في ستينيات القرن الماضي، مثل الأسواق المركزية (اورزدي باك)، والمحال الممتدة على طول الشارع حتى نهايته باتجاه الباب الشرقي، من بينها محل اسطوانات جقمقجي.
لم يحدث في شارع الرشيد أي تغيير أو تأهيل منذ قرابة خمسين عاما، سوى صبغ الأعمدة باللون الرصاصي أو صبغ جزء من الواجهة، وبدت عوامل التهرؤ جلية عليه، خصوصا بعد أن شهد البلد حروبا تركت آثارها على البنى التحتية. فقد تحول الشارع بعد 2003، إلى منطقة موحشة، بعد ان كان في الماضي يضج بالحياة والحركة والأضواء، وحلت روائح زيوت السيارات محل روائح العطور، وأصوات المولدات الكهربائية وضجيجها بدلاً من وقع أقدام السابلة، ودوي الهاونات والعبوات الناسفة بدلاً من همسات الليالي الغافية على ضفاف نهر دجلة، لتضيع ملامحه التي ارتبطت بذاكرة البغداديين.
من جانبه يقول المهندس الأكاديمي والمستشار السابق في أمانة بغداد، موفق الطائي، ان هناك مشروعا قدمه أحد المهندسين إلى أمانة بغداد، لإعادة إعمار وتأهيل شارع الرشيد، يتضمن تصاميم متميزة، مبينا ان الأمانة رفضت تنفيذ المشروع "لأن الذي قدمه من خارجها وليس من داخلها"، ومتابعا قوله: "ان المشروع لا يزال قابعا في ادراج أمانة العاصمة ينتظر من يقوم بتنفيذه".
ويضيف الطائي ان وزارة الثقافة كانت قد خصصت مبلغا من المال لإعادة تأهيل جزء من شارع الرشيد، ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013، "إلا ان وزير الثقافة حينذاك سحب المبلغ قبل تنفيذ المشروع، وانفقه على وزارة الدفاع".
وبدا على شارع الرشيد التآكل، فغابت عنه أماكن اللهو والترفيه من دور السينما والمسارح والمقاهي التي كانت تعج بالزبائن، يوم كان البغداديون يتحسسون كل صباح العبق الخالد لهذا الشارع، ويتنفسون يوميا رائحة بغداد المحفورة على جدران بناياته التراثية. كذلك تحول الشارع من ملتقى للفنانين والادباء ورواد السينما، الى سوق كبيرة للعدد الصناعية ومولدات الكهرباء. والآن ونحن نواجه مرحلة تاريخية عصيبة لهذا الشارع الذي أكمل المائة عام من عمره، نطمح إلى اعماره وتأهيله وإعادة ألقه السابق.