يزخر العراق بالكثير من القامات الابداعية العلمية والفنية والأدبية، التي قدمت انجازات مهمة وراقية على المستوى المحلي والعالمي، ولكن أغرب ما في الامر ان غالب هؤلاء المبدعين لم ينالوا حقهم في الاهتمام والرعاية والاحتضان خلال حياتهم، ولم يحتفَ بهم من قبل المؤسسات الحكومية إلا بعد ان توارى أجسادهم الثرى! وربما يطويهم النسيان دون أن تطلع على انجازاتهم الاجيال الجديدة.
من هذا المنطلق دأبت الجمعية العراقية لدعم الثقافة على الاحتفاء بالمبدعين، من الأحياء والراحلين، لتعرف المتلقين بإنجازاتهم الثرة، وتدعو الاجيال الجديدة لدراسة آثارهم واعادة قراءتها، واستخلاص كل ما له القدرة على رفد الحركة العلمية والثقافية.
في صباح الخميس الماضي، وعلى قاعة الجواهري في مقر الاتحاد العام للادباء والكتاب، حضر جمع من المثقفين والاكاديميين والادباء والفنانين، في جلسة اقامتها الجمعية العراقية لدعم الثقافة لاستذكار العلامة الراحل د.مهدي المخزومي.
أدار الجلسة د. جاسم الخالدي ساردا نبذة مختصرة عن المخزومي. فهو ابن مدينة النجف التي عرفت بطابعها المحافظ، لكنه اختار فكرا تقدميا، وطريقا جديدا في دراسة النحو الذي أصبح رائدا من رواده في ما بعد. وأضاف الخالدي قائلا: "كثيرا ما تحمل الراحل مشقة السفر والترحال لنشر علمه ومعرفته".
تخللت الجلسة كلمات وشهادات عن سيرة الراحل ومنجزه العلمي، قدمها عدد من الحضور، وهم على التوالي:
د. صاحب أبو جناح: "لعل حديثي عن المخزومي، هو حديث عن صمود مثقف عراقي أمام تحديات كبيرة، فهو رغم حرمانه من مقعده الشرعي في المجمع العلمي العراقي، ظل تنويريا ومصداقا لوحدة الرؤية المتجددة، ووفيا لطلبته في ايصال رسالته العلمية النبيلة". وأضاف: "كان الراحل يتحرى البؤر الدقيقة في عيون التراث العربي، ليصل الى أعظم معجم للغة من خلال دراسته كتاب "العين" للخليل بن احمد الفراهيدي".
د. طارق عبد عون الجنابي: "أصف المخزومي بالعلم الذي أمتد امتدادا في تراثنا وفكرنا، بل في حياتنا. فهو كان يتحدث ويكتب بمنتهى الموضوعية والحياد، ولا يطلق الكلام دون الرجوع الى المصادر". وأضاف: "ان المخزومي كان مغبونا في حياته كما هو بعد وفاته، ولذلك مات واقفا دون ان يطأ رأسه.. مات فقيرا وهو الغني بعلمه".
د . مالك المطلبي: "أقترح أن يعنى المخزومي بالبحث والدراسة، فنحن بحاجة إلى تنظيم طاولة مستديرة لقراءته من جديد". وأضاف: "أختصر المخزومي بوصفه ثوريا في السياسة، ومصلحا في اللغة".
وقرأت د. نادية العزاوي مقتطفاً من احد النصوص الوجدانية التي كتبها د.جواد علي الطاهر بحق المخزومي، الذي اشر فيه تفصيلات دالة عن حياته: "كان المخزومي ذا نزعة وطنية، ومترفعا على المقاعد العلمية التي لم يفكر فيها، وهو الذي لا يقترب الا من علمه وأثره النحوي".
في حين قدم د.عادل المخزومي ابن اخ الراحل، الشكر بإسم أسرة المخزومي الى الجمعية العراقية لدعم الثقافة لإقامتها هذا الاستذكار، ودعا إلى قراءة أثاره التي لم تطبع بعد.
وأكد الامين العام لاتحاد الادباء والكتاب، الشاعر ألفريد سمعان، ان الاتحاد مستعد لاحتضان الفعاليات والحلقات الدراسية التي تقام للمبدعين.
وكانت الكلمة الأخيرة لرئيس الجمعية العراقية لدعم الثقافة مفيد الجزائري، ومما جاء فيها: "يعد العلامة المخزومي واحدا من العلماء الذين لم يحصلوا على الحد الادنى مما ينبغي الحصول عليه من الاهتمام وتسليط الضوء على منجزهم". وأضاف الجزائري قائلا: "أتفق مع كل زملائي الذين أشاروا الى ضرورة اعادة طبع وتحقيق أعمال العلامة د. مهدي المخزومي، لا سيما كتاب "العين" والدراسات والبحوث والكتب التي لم تطبع". وتابع: "كان من المفترض ان تطبع بعض اعمال المخزومي ضمن مشروع بغداد عاصمة للثقافة العربية 2013، غير ان الامر لم يحصل. في حين ذهبت أموال هنا وهناك دون أن يكون لها هدف فكري أو علمي".
وأكد الجزائري ان الجمعية ستسعى من أجل اعادة طبع مؤلفات المخزومي.
في ختام الجلسة قدم د.عادل المخزومي لوح مجلس المخزومي للجمعية العراقية لدعم الثقافة، وآخر للاتحاد العام للادباء والكتاب.