![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
![]() |
حين اقلني جنّي الفانوس السحري من فوق غيوم الخرائط ، ما عدت اميّز اليابسة بعيدا عن ارض الوطن العراق، وإن قاربَ في الرسوّ قريبا من محطة - هيليا - جنوب السويد شدّ نظري مشهد مزرعة لأشكال مروحية داخل ما يعرف ببحر البلطيق ، جزء من بحر الشمال.
وان يستقر بنا المقام سرعان ما شرعنا في التعرّف على بلاد جديدة تزدان خضرة بزهو حدائقها وبالبناء والعمران .مالمو أكبر المدن الصناعية بين الدول الأسكندنافية في مقاطعة سكونيا. بوابة السويد البرية لقارة اوروبا. كل ما فيها نظيف يبعث على الحيوية. النظام ، احترام الناس لبعضهم البعض ولا تجاوز على قانون . بلاد تمنح المال لمن يتعلم ويستزيد من معرفة ، تعاقب بشدة من يقطع شجرة او من كان مخمورا خلف مقود سيارته.
النظام في عموم السويد فوق الجميع نابع من داخل شرايين الناس والأنسان له الصدارة فوق كل المسميات. العناية بالبيئة من اولويات بل مسلمات ما هو قائم هنا.
بلاد صنعت البارود وفي مقدمة من صدّر السلاح للعالم ، انسلخ اهلها من قراصنة (فايكنز) قبل 723 عاما. تضم 164 جنسية و 100 لغة. منذ ذلك التأريخ استشعرت الأقوام حجم خسائر الصراعات فيما بينها بسبب التعصّب المقيت في الرأي وعدم قبول الآخر فآلوا الآ ان يردموا تلك الهوّة، بذا تجاوزوا مرحلة الموات والفناء.
محدثي الذي اوقف مركبته ليحييني سرعان ما اطفأ محرك سيارته مثمّنا نصح عابر سبيل كان يهمسه وليرد على تساؤلي الفضولي:
- طلبَ ان اوقفَ محركَ سيارتي طالما انشغلت في الحديث معك فالعادم يؤثر على البيئة.
كل ما في مالمو جميل عدا الكسل. الكسلُ يُعاب. وجهود (السوسيال) تحاصره بفنية عالية في كل زاوية ومكان. الناس يركبون الدراجات ، يركضون حتى في مشيهم، يسبَحون يمارسون مختلف انواع الرياضة حتى وقت متأخر من النهار ، يأمّون المتاحف والمكتبات والحدائق وبحيرات البط.
باكر الصباح لا صوتٌ لبلبل ، لا هديلُ حمام، ولا صياح ديك ولا حتى زقزقة عصافير عدا ' طنين النوارس.
يخترق تثائب صباحنا هدير منشار كهربائي لعامل تشذيب الحدائق. ان سنحت لك فرصة تأمله فيما يعتني بعرائش حديقة المجمعات السكنية ستدهش لحركاته الراقصة بفنية لا يعرفها سوى من امتهن تشذيب ما غفا من اغصان اتعبها انتظارالشتاء.
هنا تتمتع البلدية في توسلها العصافير كي تستقر في اعشاش صنعتها لها من الخشب بل ويتفنن واضعو الأعشاش في أن يخلّقوا الأشجار بتشكيل ما يشبه العين البشرية لتحفيز حالة من التفاعل بين الأنسان والنبات ةالحيوان فهي بالتالي كائنات تتحسس الحياة مثله، ولربما ينبهون " عينكم على ساكن ذلك العش قي الشتاء!" فيهرع الناس لشراء طعام العصافير بأثمان ليست بالزهيدة.
ما جذبني في زيارة الدنمارك هو وجود فنان وباحث عراقي متنوع المواهب يهتم بالغابات وبذور اشجارها ويعتني متبرعا بمشروع لأستصلاح الصحراء العراقية. من بين اهتماماته فن العناية وانتاج العسل ، فهو نحّال مشهور كما يهتم بصناعة العود مثل ما يهتم بالأعشاب الطبية والتداوي بها .
على الرغم من تحذير الأنواء الجوية من توقع حصول اعصار السادسة عصرا الا انني عزمت على اللقاء به فالمهمة تستحق المجازفة.
نعبر بواسطة الباخرة الى الدنمارك. تستقبلنا محطة كوبنهاكن قريبا من الميناء. ونثار لمرأى اشباح أناس اقرب للمومياء يروجون لتعاطي المخدرات عبر زرقها بالحقن او تناولها كحبوب وكبسول ..واستغرب ان سيارة الشرطة قريبة جدا من المكان ولا من تجاوز على تلك الثلة المتعبة التي ينتقدها السياح بالتعبير White trash ! – النفاية البيضاء -.
مدينة تختلف عن السويد حتى في شحة اشارات المرور. كأنما خدرت اشاراتها المرورية فانفلت عقالها وساحت مع المنتشين البائسين هناك.
اوجز صاحبي باختصار: هنا اولوية الأهتمام بالطفل ، الكلب وبالشجرة .
فيما أشار الى تمثال لمؤلف قصص الأطفال هانس ك. اندرسون قرب قاعة مدينة كوبنهاكن.
داخل مطعم لأخوة فلسطينيين تضامنوا لأدارة رزقهم التقيته هناك رغم ما اعلنته الأنواء الجوية من توقع لأعصار لم تشهد الدنمارك له مثيلا منذ عقود فقد لمحت صديقنا الجديد وهو يلوّح باصبعيه بحاملة بذور قنفذية!
كانت الأبتسامة والبشاشة تفيض من على محياه وهو يقدم نفسه :
حسين البياع ..
تفحصت تظراته المتعمقة الجادة ، وهاجس يردد في داخلي " محال ان يكون لقائي بهذا المغناطيس البشري مصادفة .. هناك من يرتّب لكل هذا وسواه !"
اصر ان نرافقه الى داره ولا مناص من ذلك سيما وقد أُغلق المسارُ البحري بسبب الأعصار.
في الطريق رحت امطره بأسئلتي وهو يجيبني بكل ثقة واعتداد:
- بدايتي مع الزراعة كانت منذ الصغر حيث كنا في بداية السبعينات نعرف كل انواع النباتات والاشجار المستوطنة والموسمية وكنا نعرف السام منها وغير السام ، نركض ونلعب في البراري وفي مستنقعات المياة المنتشرة حول بغداد . كانت لدينا نخلة ادافع عنها حتى الموت ضد امي وأخواتي حين ينتهين من غسل الملابس منعا لمواد الغسيل حتى كبرت على ثمارها البرحية . بعد الاحتلال عدت لأجدها في بيت اخر حيث بيعت القطعة التي فيها (البرحية) وكان عزائي الوحيد انها لم تقطع ومنحني الجيران بعضا من ثمارها وأول ما أكلت سالت دموعي حيث اشتعل طعم الذكريات اللذيذة في تلك الحقبة التي كان من يريد قطع شجرة يقوم بعمل ثواب من طهي طعام يوزعه للفقراء خوفاً من ( حوبة ) تلك الشجرة .
حين وصلت الدنمارك عام ١٩٩٣ ورأيت البساط الاخضر اللامتناهي الابعاد غرت على وطني وحزنت متفكرا ومتسائلا: يارب ، لماذا يزحف علينا البساط الكالح القاحل وهنا يتمتع الناس بكل ما هو اخضر! حينها عزمت على ان اصنع بساطاً أخضر لوطني .
- عرفت من خلال حديثك اضافة الى اسرار صناعة العسل انك تعالج بعض الأمراض وقد توصلت الى نتائج شفاء طيبة خاصة في مجال الشفاء من الربو.
- لم اعالج الربو فقط بل عالجت عدة انواع من السرطانات مثل اللوكيميا وسرطان البروستاتا والمعدة وسرطان الرئة والعقم والشقيقة وعدة حالات نفسية وحالة عقلية واحدة وكانت النتائج ممتازة . فيما يتعلق بالربو لن تتجاوز النتائج الأسبوعين، ابرزها حالة شخص عمره أربعين عاماً يعاني الربو منذ الطفولة ، عالجته بنصف كيلو عسل ولم يعد يشكو من الربو لحد الان ، حصل هذا قبل عشر سنوات تقريباً.
والثاني طفلة بعمرعشر سنوات كانت تنناول حقن الكورتيزون بسبب شدة الربو وقد عالجتها بأقل من نصف كيلو لأني حين عدت لزيارتها والاطمئنان عليها وجدت علبة العسل لازال فيها بقايا واستفسرت عن سبب ايقاف العلاج فاجابت والدتها مؤكدة توقف نوبات الربو بعد اسبوع من أخذها العسل. كذلك زوجتي عالجتها من الربو والجيوب الانفية غير انها تعود لتتعرض الى مسببات الربو والجيوب الانفية مثل مواد التنظيف والكلور. يحسن في من يتماثل للشفاء ان يحتمي من التعرض لمصادر الأذى.
- ورد من بين اهتماماتك ان انواعا من الاشجار تنجح زراعتها في البراري الصحراوية العراقية.
- لدينا اصلاً اصول برية من اشجار ونباتات كثيرة يمكن اعادة انتشارها في بيئتها وقد فُقد الكثير من الاشجار التي اصبحت نادرة الان مثل الطلح العراقي والسنط واشجار السمر والحور والصفصاف والبلوط الذي كان يملأ بغداد في السبعينات . اضافة لذلك ولاهتمامي بالأشجار عرفت الكثير من الانواع التي تتحمل البرد القارس والحر اللاهب مثل الكستناء والبلوط والبتولا والصنوبريات وانواع من الاكاسيا كالروبينيا والاكاسيا المجلجلة وأكاسيا المصابيح وكلها تتحمل الملوحة الشديدة والحموضة في التربة وهناك انواع زرعت لغرض وقف التصحر ونجحت بشكل كبير مثل البروسوبس في موريتانيا وتونس والسعودية وغيرها ولدي اكثر من ٢٠٠ شجرة تتحمل بيئتنا وتنجح زراعتها منها اشجار مثمرة وذات مردود اقتصادي كبير وسريعة النمو مثل الباولونيا التي تنمو اكثر من ستة امتار في السنة وعسلها اجود انواع الاعسال بالعالم واغلاها وبعد سبع سنين يمكن قطعها من الاسفل وتعود تنمو من جديد وبنفس السرعة وخشبها جميل جدا ويستعمل لصنع الالات الموسيقية وصناعة الاثاث والمطابخ ويمكن الأستفادة من اوراقها المتساقطة التي يصل حجم ورقتها الى اكثر من خمسين سم كغذاء للحيوانات وسماد طبيعي ممتاز ولها قدرة عالية على تحمل التلوث حيث تزرع قرب المصانع والمعامل الملوثة للبيئة .
اقوم ومنذ فترة بأرسال بذور اشجار إلى العراق ملائمة للبيئة ، الى شباب يسعون للمساهمة بجعل العراق اخضر فيقومون بتوزيعها مجانا ويشجعون الناس على زراعتها وقد ادخلت اكثر من خمسين نوعا جديدا من الاشجار عدا النباتات الرحيقية التي تهم النحالين وهم شباب رائعون. نحن الان اشبه بجمعية من المتطوعين نحاول انقاذ بيئتنا. لدينا اصدقاء في (راوه) منهم المهندس عبد الرحمن يقوم بتوزيع الشتلات والبذور في (عنه) وصلاح الدين وفي الفلوجة لدينا الصديق شاكر حردان يوزع في الفلوجة والرمادي وفي الكوت لدينا محمد السعدون يوزع لكل المحافظات الجنوبية والمؤسسات الزراعية وغيرها وفي النجف لدينا منتصر الحسناوي وحسين الجنابي واحمد الياسري يوزعون للفرات الاوسط وسنبدأ بالبصرة عن قريب بعد ان تعرفت على شخص اسمه قاسم المشاط يقوم بشراء بذور ويزرعها في شوارع البصرة بصمت، واهم شجرة تم نشرها وزراعتها بأعداد كبيرة حيث ارسلت اكثر من ثلاثة آلاف بذرة منها لحد الان هي الشجرة المعجزة ( المورينگا ) والتي شغلت العلماء والصحف والمواقع الطبية العالمية اذ تعتبر اكثر نبات تجرى عليه دراسات وأبحاث حيث استخرج منها اخيراً علاج للأيدز وقبله للسرطان وقبله للسكر وهي من الاشجار السريعة النمو حيث ترتفع الى ثلاثة امتار خلال اربعة اشهر كما تتحمل الجفاف الشديد وتتحمل سنة كاملة دون قطرة ماء ، تنمو في أشد الاراضي قسوة وتزهر تسعة اشهر في السنة حيث تمنح عسلا ذا خواص طبية عظيمة ويمكن زراعتها بشكل مجموعات كثيفة كبديل للبرسيم في تسمين المواشي وبالنسبة للبقر الحلوب تزداد نسبة الحليب لديها سبعين بالمائة كما تشفي من السرطان لاحتوائها على ٤٧ مضاد للأكسدة وتعالج التهاب الكبد الفايروسي بنوعيه الاي والسي.
- بلغني ان لك باعا في صناعة العود والعزف عليه!
- تعلمت صناعة العود حين اخذني صديقي عازف العود الفنان فاضل المياحي ليشتري لي عودا من الحيدرخانه والعزف عليه . حين دلفنا الى الحيدرخانة سحرتني أزقتها الضيقة برائحتها المميزة فشعرت بأنتماء شديد لهذه المحلة التأريخية كونها تذكرني بطفولتي حيث نشأت في محلة جميلة وتراثية في حسون آغا خلف سينما قدري والتي سميت بعد ذلك سينما بغداد قرب علاوي الحلة وحين دخلنا لمحل المرحوم اسطة علوان الصالح وكان رجلاً كهلاً سرعان ما نشأت بيننا صداقة حميمة ، كنت اسأله كثيراً عن الماضي وكيف كانت الحياة آنذاك ونشأت ايضاً صداقة جميلة بيني وبين ابنه المرحوم صالح علوان الصالح استمرت حتى مماته كما تدربت العزف على العود ايضاً . لقد تعلمت على يد المرحوم اسطة نجم عبود رحمه الله والذي كان دائما يأخذني معه الى بيته للغداء او العشاء وحين ذهبت الى سوريا عام ٢٠٠٩ التقيت بصانع العود الكبير اياد الأسود ففتحنا محلا لصناعة العود هناك فتعلمت منه الكثير من اسرار العود وكذلك التقيت صانع العود الكبير ثابت البصري الذي ساهم بصقل معرفتي بالصناعة وبالمثل صديقي الرائع فريد منصور المنصور وهو ابن منصور المنصور صانع العود الشهير في البصرة .
- ما صحة مشروعك إزاء زراعة الصحراء العراقية وهل اتصلت بالجهات المعنية في العراق وهل قدمت بحثا بهذا الخصوص وما موقف تلكم المؤسسات؟
- زرت العراق في آب عام ٢٠٠٣ وفي جعبتي وبين اوراقي اكثر من حلم. كان هناك تنسيق بيني وبين الدكتور اكرم الحمداني الذي اسس حينها حزب الخضر العراقي وكنت من اوائل اعضائه وقد التقيت أخيه المهندس عدي الحمداني ووضعنا الخطوط العريضة الاولى لمشروع الحلم . التقينا السيد وزير الزراعة ورحب بنا بشكل جيد لكنه اعتذر عن تمويل المشروع ونصح ان نستجلب ممولين وسيوفر ارضية المشروع في مساحة من الصحراء .
بعدها توجهت الى السيد ابراهيم الجعفري وكان رئيساً للوزراء حينها وتربطني به علاقة جيدة وبالمثل مع سكرتيره الشخصي اياد بنيان وعدنان فلفل مسؤول حمايته واللذين اعرفهم اكثر من ١٧ سنه بحكم وجودنا في الدنمارك ورغم تلك المعرفة وتلك العلاقة لم يسمحوا لي بلقائه ولو لمدة خمس دقائق رغم اني شرحت لهم هدفي من الزيارة وبقيت اتردد شهرا بكامله دون ان أيأس وكان السيد الجعفري منشغلا جل وقته باستقباله لوفود من القرى والمحافظات يحفون به وهو يلقي عليهم محاضراته فتترادف الوفود دون تحقق اللقاء .كان لدي مشاريع اخرى يمكن ان تتحقق منها تاسيس معمل اعادة تكرير النفايات والذي كان يمكن للدنمارك ان تنجزه ، كذلك مصلخ الشعلة الذي وضعت وعدي الحمداني خطة لأنقاذ الناس الساكنين محاذاة ضفة ساقيته المتكونة من الدم وبقايا الخرفان المذبوحة على الشارع العام .
ترى كم طول الاشجار الآن لو تمت زراعتها في ذلك الحين وكم كانت تعطي من اوكسجين وتسحب من سموم وكم تعدّل من حرارة الصيف وبرودة الشتاء القادم من الصحراء وكم وكم وكم ؟
يتركز المشروع على زراعة أشجار غابات تتحمل الظروف البيئية العراقية من ملوحة وحرارة وفقر التربة والجفاف الحاد ، صفوف من أشجار سريعة النمو مثمرة وذات مردود هائل من عسل عالي الجودة. وللنخيل الاولوية بين الاشجار. يمكن لأهداف كثيرة وكبيرة أن تتحقق بواسطته أهمها وقف التصحّر وتحويل البيئة من جافة قاحلة الى بيئة غابات ورطوبة وأعتدال بدرجات الحرارة صيفا وشتاء ويكون المشروع طبيعي قدر الامكان غير منتج للتلوث لا تستعمل فية أي آلات ملوّثة أو سماد كيمياوي أو مكافحة كيمياوية للحشرات، طبيعي 100% .
أقترح تأسيس قرى زراعية فالعراق ليس كموريتانيا أو مالي أو السودان عاجزة عن تمويل مشروع أستراتيجي يستطيع أن يحول البلد من خاضع أقتصاديا لبلدان أخرى الى مكتفٍ ذاتيا ، في حين العراق قادر وبسهولة على تمويل مشروع بمثل هذه الاهمية.
أقترح أن تُمنح العوائل الفقيرة والمعدمة قطع أراضي في الصحراء العراقية لأن المشروع الذي أتحدث عنه لا يمكن ضمان تحقيقه الى النهاية ما لم يكن هناك من يحميه ويدافع عنه فلو تكفلت الدولة بتعيين حراس عليه أو وضع أسيجة فهي لا تضمن عدم القطع والرعي الجائر وسيكون عرضة للتخريب والعبث ، في حين سيكون لكل عائلة جزء من الغابة وقطعة أرض مقسمّة الى زراعات حقلية ورعوية.
على الجهات الرسمية منح العوائل قروضا بعيدة الأجل وتوظيف مهندسين لتعليم هؤلاء العوائل الزراعة وتربية الماشية وكل ما يتعلق بهذا الامر. يحتاج المشروع الى أنشاءات أساسية لتحقيق نجاحه وفقا لمرتكزات اهمها :
أولا : تأسيس مشتل لزرع البذور لحين زرعها في الاراضي المستديمة .
ثانيا : حفر نهرفرعي يمتد من نهر الفرات الى داخل الغابة لأنشاء بحيرات أسماك ومن ماء الصرف الذي يخرج منها تسقى بواسطته المزروعات .
ثالثا : تخصيص مهندسين للمساحة والتخطيط واستحداث معاهد للزراعة للأستفادة من الكوادر الوسطية في الثقيف والتطبيق العملي.
بهذا نكون قد حققنا عدة أهداف :
1 – ري المحاصيل الزراعية 2- زيادة المدخول المادي من أنتاج الاسماك 3- – تحسين المستوى الصحي للمجتمع بزيادة البروتين وزيادة زيوت الاوميكا في طعام المجتمع 4- توفير فرص عمل كبيرة 5- زيادة الرطوبة في الجو لخفض درجات الحرارة 6 - دعم ومساعدة النباتات البرية على الانبات.
الفوائد المرجوة من المشروع :
1- خلق مجتمع زراعي من الصفر على أرض قاحلة مهملة منذ زمن الخليقة. 2- خلق مجتمع صناعي يقابل هذا المجتمع الزراعي بؤسس لمعامل للتعليب ومعاصر الزيوت والمدابغ والغزل والنسيج والاعمال اليدوية وأعمال النجارة لعمل خلايا النحل والاثاث والعربات والحدادة والنقليات وغيرها . 3 - يمكن جعل هذه الغابات مكانا سياحيا ببناء بيوت صغيرة داخل الغابات على غرار ما حصل في مصر ، بيوت من طين تم بناؤها في مناطق صحراوية تفتقر حتى إلى الكهرباء ، فحجزت فيها ملكة بريطانيا وهولندا مدة أسبوعين للنقاهة فالغرب متعطش للحياة البكر و الحياة البرية. 4- البعد الأستراتيجي والسياسي ..المنطقة التي يقام عليها هذا المشروع ستكون سلة العراق الغذائية ، من نبات وحيوان وأعشاب وعسل وصناعة وستكون ذات أمكانيات مادية لايستهان بها، [الذي يملك الغذاء] يملك القرار السياسي ويؤثر فيه 5- تخفيف الضغط على المدينة بأنتقال هذه الاعداد من الناس الى الصحراء وبالمثل فيما يتعلق بالكهرباء والماء والمجاري وما يتسبب من ذلك كله في زيادة نسبة تلوث المدينة 6- سيكون المشروع بمثابة بنك من بذور سيتم زراعتها دون الاضطرار للأستيراد مرة أخرى والتي ستغطي العراق بالكامل وبالمثل سيوفر بنكا من الحيوانات ومثله من المعرفة . 7- وقف زحف الصحراء والعواصف الترابية. 8- أنخفاض درجات الحرارة في الصيف والتي وصلت الى مستويات غير معقولة في السنوات العشر الأخيرة. 9- توفير مأوى لأنواع كثيرة من الحيوانات من طيور وزواحف وغيرها وحمايتها من الانقراض. 10- ستوفر هذه الغابات فرصا لأنبات الأعشاب البرية فتؤمّن الرطوبة والظل وانحفاض كبير في شدة الريح .11- عودة دورة الامطار بسبب الكم الهائل من الرطوبة التي ستغيرالحرارة في عموم البلاد. 12- توفير مصادر معلومات واقعية للباحثين والطلبة لتطبيق أفكارهم ومشاريعهم . 13- توفير فرص عمل للخريجين من مهندسين وبيطرة وغيرها. 14- توفير فرص عمل مختلفة ومتنوعة للشبيبة . 15- الحصول على جوائز ومساعدات دولية . 16- أنخفاض نسبة ثاني اوكسيد الكاربون حيث يوجد قانون في الامم المتحدة يكافيء نسبة ما تسحبه من ثاني أوكسيد الكاربون وهو مسعّر بالهكتار . 17- من هذه الغابات ومشاريع التربية الحيوانية سنعتمد على أنفسنا في صناعة السماد العضوي والذي سيوفر لنا عملة صعبة. 18 - رفع المستوى الصحي وأنخفاض الامراض وسوء التغذية التي تساهم فيه المواد الغذائية المستوردة والحاوية على كميات كبيرة من مواد كيميائية . 19- سحب كمية كبيرة من الضوضاء حيث تمتص الغابات ثلث نسبة الضوضاء .20- الاكتفاء الذاتي من الاخشاب والفحم والزيوت وأنقاذ النخيل من الانقراض حيث سيوفر المشروع مئات الهكتارات للنخيل بكل أنواعه. 21- أستخراج المواد التي تدخل في صناعة الدواء والمواد الصيدلانية. 22- أنتاج كميات كبيرة من العسل الطبي نوعيا مما يجعل من العراق أفضل منافس للصين وألمانيا فيحقق مردودا ماديا كبيرا . 23- زيادة الوعي والمعرفة في الوسط الجديد الذي سيخوض غمار هذا العمل.
- من اتصالنا بالاستاذ الدكتور عبد صالح فياض - مدير مركز دراسات الصحراء- جامعة الأنبار بشأن تفعيل استصلاح الصحراء العراقية، عرفنا ان مشروع زراعة الصحراء بالأشجار المعمرة قد بوشر به فعلا في مدينة الثرثار قبل الأحتلال البغيض وما حصل اثر ذلك ساهم في ضياع كل الجهود بعد تدمير المزارع بالكامل واليوم تسعى جامعة الأنبار لاستنهاض الجهود في اكثر من محاولة لإحياء هذا المشروع الحيوي والمهم.
ما الذي تقترحه لمركز دراسات الصحراء بهذا الشأن ؟
- أن يتبنى مركز دراسات الصحراء مشروعي . ما اثار استغرابي تبنّي المهندسين في محافظة الانبار زراعة نبتة سامة اسمها الجاتروفا كونها تنتج بذورا يستفاد من زيتها كوقود حيوي وتعمل كمصدات للرياح وتعمل على تثبيت الكثبان الرملية. هناك اكثر من مئتي نوع بديل وذي مردود اقتصادي يعود بالنفع الكبير لسكان الصحراء مثل نبات الصبار المثمر والصبار ( ألوڤيرا) الذي يعتبر دواء المستقبل ضد مرض السكر والضغط والسرطان ومصدر أغلب انواع التجميل والذي يجرى الاستثمار فيه بملايين الدولارات . ثم شجيرة الهوهوبا العظيمة والتي تعتبر اهم الحلول لمواجهة التصحر وتنمية المجتمعات واكثر من 99% من شركات التجميل في العالم تعتمد على زيتها وهو شمع سائل يتحمل درجات حرارة عالية يقاوم الأكسدة ولا يفقد لزوجته لذا يعتبر ارقى زيت لمحركات الطائرات وكذلك السيارات ويمكن للسيارة ان تقطع بواسطته مسافة ٥٠ الف كيلومتر ويعاد تكريره بسهولة. اعتمده الهنود الحمر في معالجة الجروح وتجميل الجلد والشعر والاضاءة ونسبة الزيت في بذوره تصل ال 50 ٪ وتتحمل كل الظروف الجوية دون ان تتضرر، وهي تفيد في تثبيت التربة.
كذلك نبتة الكينوا المكسيكية التي تنمو دون الحاجة الى الماء وتزرع كبديل للحنطة والشعير وتنمو في أشد الاراضي جفافاً وملوحة ومثلها شجرة الكستناء المعمرة وبذورها بديل للحنطة والشعير. تلك اشجار عملاقة يمكنها صد الرياح.
اسأل لمَ لا يزرعون العبل والحنظل واشجار الاكاسيا والنيم والغاف ؟
- هل من مشاريع اخرى في الذهن بعد كل هذه الفوضى ؟
- مشاريع تتعلق بالبيئة بحكم تجربتي مع السلام الاخضر الدنماركي منها اعادة استيطان الحيوانات التي فقدتها البيئة العراقية مثل الاسود والنمور والضباع والغزلان ولدي خطة متكاملة لهذا المشروع كذلك لدي مشروع اسميته شفط السموم من الجو .
مهمة المشروع الحلم وما بعده هي استعادة الحلقة المفقودة في سلسلة البيئة العراقية.
- انطباعك بعد مضي اكثر من عشر سنوات على اسقاط الدكتاتور والإحتلال، هل تجد ان لعبة الديمقراطية قد تحققت كسلوك وطريقة للحياة في العراق ؟
- فرحت كثيراً وعبرت عن ذلك في لقائي مع شاعر العراق الكبير - سمير صبيح- وترجمت لقاءاتي بسلسلة حلقات (يوتيوب) نشرتها على الشبكة العنكبوتية لكني سرعان ما شعرت بالخجل والعار من نفسي وانا اعبّر عن فرحي في احتلال وتدمير بلدي على ان ما جعلني اشعر بالراحة والفخر هو الثمن الباهض الذي دفعه المحتل على ايدي العراقيين الابطال الذين لقّنوا الامريكان درسا في عدم تكرار ارتكابهم لحرب مماثلة . ان النظام الذي وضعه راعي الأحتلال بريمر كارثي والمقصود منه عدم السماح بأي تنمية او إصلاح - دعهم يمزقون بعضهم البعض- لم يكن النظام الفاشل الذي فرضه الامريكان في العراق قد شكل خيبة ظن لي لأني منذ البداية قد (غسلت يدي) ولكنه شكّل حزناً عميقاً ومريرا في وجداني وانا ارى الخيبات تتوالى والايتام والفقراء يزداد عددهم والارهابيين يزداد عددهم والسيطرات يزداد عددها والشهداء يزداد عددهم واموالنا المسروقة يزداد عددها والبساتين التي تحولت الى عقارات سكنية يزداد عددها وبساتين النخيل المصاب والمقطعه اوصاله يزداد عددها نحن بأختصار على الحافة الحادة للنهاية كشعب وتأريخ وجغرافي! .
- ختاما نشكر الزميل حسين البياع عضو جمعية النحالين الدنماركيين وها نحن نعود بصيد دسم لانواع مختلفة من كنوز بذور ما انتجته امهات تلك الغابات ونذور لمشروع حلم عراقي مخلص يهم كل العراقيين الواعين والمحبين لبلدهم الساعين لأنحسار الصحراء ومثله انحسار الأرهاب وحواضنه المتطفلة والتي تغذيها الخرافة والفساد والعنف واللانظام ولكي يعود بلدنا أخضرا بمسمّانا نحن، لا بمسمى من يستفزنا فيقلص مساحة بلدنا هزءاً بـ ( المنطقة الخضراء) وهي لا تتجاوز الـ 10 كم².
قبل أوبتنا الى العراق وشكرنا وامتناننا للباحث والمختص حسين البياع عضو جمعية النحالين الدنماركيين ، ومن ساحة (مولان) جوار نصب - مجد العمل - Glory of Labor)) للفنان السويدي (أكسل إيبي) عام 1929 واناسه العراة ببيض وسمر البشرة – في اشارة لتجردهم من اي انتماء ديني ، طائفي او عرقي - فيما يحملون متعاونين صخرة من الجرانيت ثبّت عليها من جهتيها تشكيل برونزي لمداخن مصانع ورموز مختلفة لبيوت عبادة تغيثها السواعد تذكّر بالمهمة التي ينبغي ان يتحمل مسؤليتها الجميع ، آلينا الآ أن نهاتف صديقنا حسن البياع كالذي استدرك أمرا :
- قبل ان نودعك ، تُرى مَن يشيل الحمل على كاهله برأيك ؟
افصح صوته مؤكدا عبر أثير سيجمعنا ثانية حتما :
- أهله.