اعمدة طريق الشعب

فضائيات.. فضائية! / عماد جاسم

يذكر الباحثون الاجتماعيون في دراساتهم الميدانية ان اللغة انعكاس حي للواقع , وان التداول المجتمعي للمفردات الطارئة ينم عن رضوخ لهيمنة تلك المفردات (المنزوعة الجذور) والتي ظهرت اليوم لتعبر عن ظاهرة سائدة. وما تلبث تلك المفردات ان تكون مثار استقبال جماهيري , وبعده استقبال نخبوي , بحكم انصياع شرائح المجتمع لتلك الهيمنة التداولية في واقع اعتنق اللغة الساخرة وسيلة للهروب من البؤس والعذابات اليومية.
ولعل مفردة «الفضائي» واحدة من المفردات التي تستحوذ على اهتمام الناس بخروجها عن المعنى العلمي او الحقيقي المتعارف عليه الى المعنى العراقي الشعبوي الساخر,, فهي تعني في هذا السياق الموظف او العنصر الامني الذي يستلم راتبا دون عمل او دون جهد او حتى دون تواصل مع مؤسسته (اي انه لا يؤدي خدمة), واخذت هذه المفردة تختصر حجم الخراب واستفحال الفساد, وتوسع من مجال محيطها الدلالي لتستحوذ على اهتمام السياسيين المتنافسين وهم يستخدمونها اليوم لتكون اداة تسقيطية في حواراتهم الاعلامية وخطاباتهم التحريضية..!
ومن باب التوسع الدلالي, فالأمر لا يتعلق اليوم بالفضائي البشري, حيث ظهرت لنا مؤسسات فضائية تفتك بميزانية الدولة التي تعاني التقشف والانكسارات المتلاحقة.. فعند مراجعة نوافذ الصرف الحكومي لابد لنا من التوقف عند مؤسسات اعلامية تضم المئات من الموظفين والأجهزة والعجلات والأقمار الصناعية والبنايات وتستنزف الكثير من اموال الدولة دون ان يكون لها اي دور واضح في توجيه جماهيري او توعية مجتمعية او فائدة علمية, فهي اقرب لمؤسسات دعائية تقترب من السذاجة في الطرح, تمجد القيادات والمسئولين المشرفين عليها ولا تحظى بأي متابعة على ارض الواقع في ظل سباق الفضائيات المحموم لكسب المتلقي الذي يجنح الى السياحة المعرفية وهو يحلق في عواصم الابهار والدهشة عبر (الريموت كنترول) متجولا في عوالم القنوات الفضائية حيث المتعة والصورة الناطقة..
وهنا لابد من تساؤلات مشروعة يفرضها الواقع الراهن في ظل بحث الدولة عن وسائل للتقنين المالي لأجل سد العجز.
ما معنى وجود فضائيات عراقية تابعة لوزارات ومؤسسات حكومية بوجود فضائية العراقية القادرة على اظهار واستيعاب اخبار مؤسسات الدولة؟ ما معنى ان تكون هناك فضائية تابعة للوقف السني وأخرى لوزارة التعليم العالي وأخرى لوزارة التربية؟
وما هي المبالغ التي تصرف يوميا على تلك القنوات، وهل هي فعلا تقوم بخدمة وطنية ومجتمعية ؟
وحسب المعلومات يقدر الصرف اليومي لتلك الفضائيات بخمسين الف دولار!
ولعل الغرابة تكمن في محاولة الدولة الاقتصاد في الانفاق عبر ايقاف رواتب الرعاية الاجتماعية وفرض الضرائب على المتقاعدين وزيادة اجور المستشفيات والمراكز الطبية.. وتتغافل عن المصروفات غير المنظورة..!!