- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 07 آذار/مارس 2017 20:50

في الثامن من آذار عيد المرأة العالمي يُكتب الكثير عن النساء المناضلات، الشهيدات واللواتي كن في المقدمة في النشاط النسوي لمقارعة الظلم والتمييز ضد المرأة. ولكن نادرا ما يكتب عن النساء المناضلات في الخطوط الخلفية ان صح التعبير، عن نساء قدمن تضحيات كبيرة من اجل الحركة الوطنية وباشكال مباشرة او غير مباشرة. لذا اود ان ان اكتب عن احدى الجنديات المجهولات، احدى المناضلات في الخطوط الخلفية وهي الخالة نورية.
الخالة نورية امرأة ومواطنة اعتيادية لم تنضم الى حزب اومنظمة ما. هي زوجة خالي وام لخمسة اطفال. كانت تعيش في احد بيوت منطقة البتاوين في بغداد. امرأة همها الاساسي تربية اولادها ورعاية عائلتها. ولكنها وبدون اي تردد قدمت بيتها ليكون مأوى لعائلتنا بعد 8 شباط الاسود وفي فترة اعتقال والدي وبعد استشهاده.
الخالة نورية لم تدخر جهدا في مساعدة والدتي في البحث عن والدي في دوائر الشرطة والامن ومن ثم في الطب العدلي. لازلت اذكر وجهيهما المتعبين والحزينين عندما تعودان من جولة البحث في صيف بغداد الحار. تعود الخالة نورية لتتسوق وتعد الطعام لاطفالها ولنا نحن الاربعة. لازلت اذكر ابتسامتها ومزاحها معي عندما تدعوني للطعام لاني كنت ضعيفة البنية فتقول:( لاتاكلين بالدين. اكلي من صدك.)
ربما يقول البعض ان هذا كان طبيعيا وهذا ما اعتادت عليه العوائل العراقية في مساعدة بعضها البعض. فأنا اقول هذا مدعاة للتقدير لآن هذه المرأة اللاسسياسية كانت مستعدة للتضحية بعائلتها من اجلنا. فهي قد عرضت نفسها وعائلتها للمساءلة من النظام البعثي الوحشي.
ولم تقف عند ذلك الحد. عندما كنت معتقلة في الامن العامة عام ١٩٧٨ صاحبت الخالة نورية والدتي للقائي ولجلب الملابس لي. وقد علمت فيما بعد انهما كانتا في خطر حقيقي ولم يصدقا انهما افلتتا من يد الامن في ذلك اليوم. فقد هدد ضابط الامن بأن يعتقلهما كوسيلة للضغط عليّ من اجل تقديم الاعترافات. وفعلا قالها لي ضابط التحقيق بعدها: « امك عندنا وتحت التعذيب وهذه المرأة المسكينة ايضا. ما هو ذنبها. اعترفي لنعيدهما الى البيت.» ولم اكن اعرف حينها من هي المرأة الاخرى.
وفوق كل ذلك بعد خروجي من المعتقل مباشرة ذهبت الى بيت الخالة نورية وبقيت عندها عدة ايام. وهي تعلم انني كنت مراقبة من قبل امن صدام. مرة اخرى عرضت بيتها وعائلتها للخطر من اجل حمايتي و حماية اختياري انا، في العمل والنشاط السياسيين.
في ذاكرتي احداث كثيرة مع الخالة نورية، الوجه الجميل الضحوك، الجسد النشيط والذي لايعرف التعب، والاهم من كل هذا: الاستعداد بكل استطاعتها لتقديم المساعدة للاناس الطيبين الذين اختاروا العمل السياسي- النضالي رغم مخاطره.
لك كل الحب والتقدير خالة نورية ولكل النساء اللواتي لولاهن لما استطاع من كان في التنظيمات السياسية الوطنية الاستمرار او البقاء على قيد الحياة.