ادب وفن

عريان السيد خلف في المجموعة الشعرية الكاملة / ريسان الخزعلي

( 1 )

*.. عن مكتبة /المجلة/ في بغداد، صدرت المجموعة الشعرية الكاملة للشاعر الكبير /عريان السيد خلف/..، ورغم التوصيف /الكاملة/ الا أنها لا تضم كل المنجز الشعري للشاعر على حد رصدي ومتابعتي، حيث غابت العديد من القصائد عن هذه المجموعة، وبذلك تصح التسمية الأدق (الأعمال الشعرية 1) ضماناً لتاريخ الشاعر، وابداعه الذي لم يتوقف حتى اللحظة. الا ان المهم، هو صدور المجموعة بمعرفة الشاعر، بعد ان تناهبت مكاتب الاستنساخ إصدار شعره دون درايته، واغفال حقوقه..، ورغم ملاحظاتي عن هذه الطبعة (والتي سأوردها لاحقاً)، الا انها جاءت في وقت فوضى شعرية لا تمت للشعر بأية صلة سوى (النظم العفوي)، وبذلك تكون ارتكازاً ومرتكزاً في قلق مشهد الشعر الشعبي العراقي الآن. كما ان صدورها، يعيد للمشهد ذاته ثقل الشاعر ودوره في مسار تطور القصيدة الشعبية العراقية، وتطور الشاعر ايضاً، على مدى اكثر من خمسة عقود زمنية، كان فيها يلهب الأكف والأفئدة على حد قول الشاعر الكبير /سعدي يوسف/..، وارى ان في صدورها مناسبة لأن يقام له اكثر من إحتفاء واحتفال، دراسة وتقييماً وتكريماً، لأنه شاهد على خمسة عقود من التجربة، بكل عذابها وعذوبتها وتحولاتها، وقد كان ملتفتاً بنباهة، وبما يضمن حضوره وفاعليته، بنقاء، وانحياز للانسان والأبداع الذي يتضامن مع صبوات الأنسان في الحرية والمستقبل.

( 2 )

*.. لا أريد في إشاراتي هنا.. أن اكتب عن شعر (عريان السيد خلف/ لأن لذلك مناسبة أخرى (وقد سبق لي ان كتبت عن/ تل الورد)..، إلاّ اني آثرت أن تُختصر هذه الأشارات على التعبير الفني والجمالي في هذه المجموعة، وبما يضمن نكهة الابتهاج بصدورها:
أ- شعر /عريان السيد خلف/..، شعرُ حسرة على /الگمر والديره/..، شعرُ ندب عميق على ما حصل في /گبل ليله/..، شعرٌ يموج بين الورد ومقتل الورد /تل الورد/..، شعرٌ يتابع الهم العراقي /صياد الهموم/..، شعرٌ ينشد العبور الى الضفة الدافئة /المعيبر عبد/..، شعرُ تماس مع الحب والوجد الصوفي في العشق، لا بالمعنى الديني، وانما بمعنى البريق الشعري الكامن في التجربة الصوفية التي منحته الغنائية واطاحت بالرومانسية.
. . . . . . . . ،
حـ - في شكله الشعري الحديث، ينفتح شعره الى فضاءات اسلوبية اكثر انغماراً في التجديد، والتعبير الصوري الواقعي والرمزي، ويعتد مخياله الشعري بالاستغراق الموسيقي 0بالمعنى القادم من الايقاع)..، وهكذا يكسب ارتياحاً في التوليد الشعري، بعيداً عن توتر يمليه البناء العمودي.

( 3 )

* في هذه المجموعة، كانت هنالك ثلاث مقدمات، الأولى للشاعر الكبير /مظفر النواب/..، والثانية للشاعر /عبدالرحمن طهمازي/..، والثالثة للشاعر ذاته (عريان السيد خلف):
أ- /ولأنه الليل/.. مقدمة /مظفر النواب/..، وهي بالأصل عن مجموعة /صياد الهموم/..، وقد كانت استطراداً انشائياً عاماً لا يتماس مع الشعر في المجموعة، وانما اكتفت بالتلميح الى قصيدة /المعيبر عبد/ وما تحويه من ظلال صورية ايقاعية، والنواب، كما هو معروف عنه، يتكابر ويتمنع من ان يقول راياً واضحاً في التجارب الشعرية المهمة التي جاءت بعد تجربته.
يقول النواب: ولعريان عشق بمذاق خاص (واوادد للعمر كل ذرة اتراب، عله حبة سنبله، وحب النساوين)..، نساوين هذه تؤذي جمالية البيت، وكأن في الصيغة عدم الجدية، فالايحاء الشائع لهذه الصيغة يضعف المواددة..، يقال (حچي النساوين) ليست هذه مقدمة لصديقي عريان، وانما اردت ان أشير الى جماليات وجروح من قصيدة واحدة. (انتهى قول النواب)..، وقد أخذ /عريان/ بقول /النواب/ وأبدل البيت الشعري، ولا أتفق معه بهذا الابدال، كما ان /النواب/ لم يكن موفقاً في الاشارة، حيث ان /حب/ اكثر دلالة من /حچي/..، كما ان التوصيف 0حبة سنبله وحب النساوية)..، بالاضافة الى الترادف (حبة، حب)..، فانه اشارة الى النماء المترابط بين الأرض والأنسان.
. . . . . . . . . . ،
ب - /الصمت يتحرر/.. مقدمة /عبدالرحمن طهمازي/..، وهي بالاصل عن مجموعة /تل الورد/..، وقد كانت مقدمة كاشفة عن لغة الشاعر، وموضوعاته، وتجاربه الفنية، وتنم عن عمق قرائي لشعر الشاعر: (تتمتع قصائد عريان السيد خلف) بامتيازات شعر العامية العربية لجنوب العراق، وهي امتيازات اصيلة، يمثلها اكثر من أي عنصر آخر.. المواد غير المحددة للوقائع والتطلعات المشتركة، التي تتقطع احياناً كالفولكلور اللغوي /للأغنية/ وتتماسك مرات كثيرة كقصيدة حديثة لها موضوع وجداني مستقل لا يلبث ان يكون مناسبة خاصة لانفعال الشاعر بما هو مشترك).
. . . . . . . . . . ،
حـ - /لقاء قصير جداً/.. مقدمة الشاعر لمجموعته الأولى /الگمر والديره/..، وقد كانت مكتوبة بتلقائية صادقة بعيدة عن التكلف، كشف فيها مبكراً عن اسرار كتابة الشعر (شعره)، وكذلك كشف عن حدود مفهومه الشعري: (ان هذه القصائد مقاطع من الغناء الموجع الحميم، أحمله عبر ليالي الرحيل الباردة، والمليئة بالريح، والمحطات، والتعب الشاق، وحسبي انني كنت خلالها صادقاً، وملتهباً وتلقائياً، وانني ساظل اميناً على هذه الدوائر الثلاث..).

( 4 )

* ملاحظات حول هذه الطبعة
أ- لم تُرتب المجموعة على أساس مسميات المجاميع الشعرية (الگمر والديره، گبل ليله، تل الورد) وانما جاءت بتسلسل القصائد فقط، كما ان قصائد من هذه المجاميع سبق وان صدرت بعناوين مجاميع اخرى (صياد الهموم، أوراق ومواسم، وغيرها).
ب – الطباعة، وورق الطباعة، والاخراج الفني، جميعها لم تكن بالمستوى الذي وصلت اليه أساليب الطباعة الحديثة، ولا تتناسب مع اسم الشاعر واهميته..، وكان على الناشر ان يدرك ذلك، ويستدرك الأخطاء الطباعية ايضاً.
حـ - لم تكن هذه الطبعة جديدة على الاطلاق (وارجو ان لا يتحسس الناشر من قولي هذا)..، وانما هي الطبعة ذاتها التي صدرت باسم (طبع ونشر ثامن الحجج)..، وقد أُبدل الغلاف فقط، كما ان اسم الشاعر قد صُحح من (عريان سيد خلف) الى (عريان السيد خلف) على الغلاف الجديد، واني أحتفظ الآن بالطبعتين، ويبقى التوضيح في عهدة الناشر (مكتبة المجلة) ان لم يكن الشاعر على علم بذلك..، ومثل هذه الملاحظة الاجرائية، لا ولن تعيق هذه المجموعة لأن تتقدم الى القارئ وتمنحه ما فيها من أسرار كتابة الشعر، وجدوى الشعر في الحياة..، وها هو الشاعر يمنح الدفء لغيره:
*.. (عبد) ستّر قميصه إعله اليعبرون
او شعل روحه ابدربهم يكشف الليل..،
او فرش جفنه السمح عن لا يعثرون.
او تنزر يغلب السابج على الريح
او يحومر منتشي ابطور اليغنون.
تمايز نخوته وصوته وهوى الناس..،
وشبابه اليحلم ابليلة كلبدون.
ورسم وجهه إعله چفه وشاور الگاع..،
غمزهه او غمزته.. وشبّوا بالعيون..*
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*.. المجموعة الشعرية الكاملة.. عريان السيد خلف.. مكتبة المجلة.. بغداد/ شارع المتنبي.. (لا توجد سنة إصدار).