احمد جبار غرب
أقام الاتحاد العام للأدباء والكتاب العراقيين جلسة استذكارية وقراءة نقدية حول الكاتب الروائي سعدي المالح، حضر الجلسة عدد من الوجوه الثقافية والإبداعية، وذلك على قاعة الجواهري.
والكاتب سعدي المالح الذي توفي في مساء الجمعة 30 من حزيران في العام الحالي، هو مواليد عام 1951 في "عين كاوة"، من عائلة كادحة، قدمت العديد من الشهداء كقرابين غالية على مذبح ألحرية، أمثال عبد الأحد المالح والدكتور الشهيد حبيب المالح والشهيد صبري المالح "شقيق سعدي"، وقد شغف منذ وقت مبكر من عمره، بالقراءة والتقصي في بطون الكتب وخاصة الأدبية منها، عمل في بداية مشواره مع الكتابة في مجال الصحافة وهو لم يتجاوز الثامنة عشرة حيث تقدم للعمل ككاتب تحقيقات صحفية في جريدة التآخي والتي كان يرأس تحريرها المرحوم دارا توفيق? كما أصدر "25" كتابا عن السريالية. يقول عنه فائق بطي:"جاءنا سعدي إلى الجريدة وعملنا معا، كان شابا يافعا كله نشاط وحيوية، استطاع خلال أيام قليلة أن يكسب ودنا واحترامنا لشخصه ولكتاباته الجريئة ألهادفة وقد ارتأينا أن يرأس مكتبنا الصحفي في اربيل".
قدَّم، في هذه الفترة المبكرة من مشواره الادبي في الكتابة للقراء، باكورة أعماله القصصية وهي مجموعة قصصية حملت عنوان:"الظل الآخر لإنسان آخر"، التي طبعها في اربيل، وكان غالبا ما ينشر مقالاته وتحقيقاته الصحفية في جريدة التآخي وطريق الشعب والراصد، ثم أصدر مجموعته القصصية الاخرى "حكايات من عنكاوا"، تعرض الى الملاحقة من قبل النظام السابق لكونه من المنتمين إلى الحزب الشيوعي العراقي، تنظيم الموصل.
قدم للجلسة الشاعر مروان عادل حمزة حيث امتعنا بمقدمته الشاعرية عن الاديب الراحل قائلا: مات من ناهز 25 كتابا عن السريالية التي لا تموت والتي ستعود اليه حتما، وقد مات في مساء الجمعة 30 من حزيران ،تخرج الكاتب سعدي المالح في دار المعلمين في اربيل في عام1970، أكمل دراسته العليا في موسكو حيث نال الماجستير في الإبداع الأدبي والنقد الفني في معهد بروكلين للآداب والدكتوراه في اللغة والأدب من معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم السوفيتية ،ترجم عن كلاسيكيات الادب الروسي وكتب في الصفحات العراقية والعربية.
الناقد فاضل ثامر، قال:" الفجيعة ان تخسر واحداً من فرسان السرد العراقي، كان مثقفا شامخا وخاصة في الفترة التي شغل بها منصب مدير عام دار الثقافة السريالية، اللقطة الشخصية الأخيرة في خلال هذا الصيف عندما اقيم مهرجان الثقافة في اربيل وعندما سمعنا ان سعد المالح قد أصيب بوعكة صحية فزرناه في البيت فسألته عن مرضه قال لي هو مرض غامض يصيب الجهاز العصبي وقد بدا متحسنا في تلك الفترة وقد احتفت الاسرة بنا.. كان انسانا رائعا ودمثا ونحن بصراحة مدينون له وهو انسان رائع وذو طموح كبير وقد تحدثت عن سعدي المالح في كتابي "الم?تاسردي" ونحن نعلم ان الكاتب سعدي المالح مؤلف قصة منذ السبعينات وهذا يدل على عمق موهبته وثرائه الادبي وأيضا كان يتقن اللغة الروسية ويجيد الكتابة عن الموسيقى وهو يذهلنا بإبداعه وأيضا عني بكتابة التاريخ من خلال عرض المدينة التي ولد فيها "عينكاوة" حيث كتب عنها كثيرا وهو يهتم بعناصر التاريخ الروائي وهذا يدل على اهتمام وحرص كبير في إعادة بناء رواية عراقية متجددة.
ثم تحدث الناقد ناجح المعموري مبديا ملاحظات عن آخر كتبه التي انجزها، قال: " الدعوة اعادتني الى تجربة سردية جديدة انجزها د. سعدي المالح وهي تجربة اثارة التباين والاختلاف بين عدد من النقاد، احد النقاد تعامل معها كرواية مكانية، وناقد آخر اعتبر رواية "عمكا" سيرة مكانية وأنا أيضا كنت سعيدا لان الراحل سعدي المالح اختارني من ضمن ثلاثة أسماء للإطلاع على الرواية، وفعلا اطلعت على الرواية كمخطوطة لمرتين واخذ الراحل بعدد من الملاحظات واعتقد بان من أهم ملاحظاتي كانت لها علاقة بالبناء الفني للعمل لكنه ظل مقتنعا فيما أش?ر اليه الصديقان من ان "عمكا" عمل روائي، بينما طرحت ولازلت إلى الآن بان رواية "عمكا" هي كتاب سردي، وهذا لا يقلل من أهمية العمل بل يمنح هذه التجربة منطقة ريادية في الثقافة والإبداع العراقي وما يساعد على هذا المقترح هي توفرات البنائية في كتاب "عنكا" واعني بها أولا المقدمة التي ابتدأ بها الكتاب "الإله شربل والقديس"، ومعروف بأن هذا النوع التأطيري أو الفني تنفرد بها الكتب أي وجود المقدمات وأيضا النهاية بمعنى جعل الدكتور سعدي المالح من شخصية شربل والقديس هي الابتداء والمنتهى، أي بمعنى أن أهم الشخصيات في الكتاب ا?سردي "عمكا" كان الاله "شربل" وشخصية القديس ودخل بالأخير "شربل" المولود الجديد هذه اللعبة الفنية انطوت على شيء من المهارة بالنسبة لسعدي المالح هي كاشفة عن انشغالاته بموضوعة الهوية الخاصة وسعد المالح أكثر القصاصين والروائيين انشغالا واهتماما بموضوعة الهوية، وليس لكون سعدي المالح عاش بالمنفى وإنما فعلا باعتباره مثقفا ديمقراطيا وتقدميا واجه مشكلة تعدد الهويات بالنسبة للأدباء السريان الصغيرة لكنها الفاعلة مع عدم توفر مساحة مفتوحة لهذا التنوع الثقافي والتنوع المعرفي والتنوع العلمي لهم تاريخ أساسي ومهم وهم من ?لطوائف التي ساهمت ببناء الحضارة العراقية بوقت مبكر لكن كانت الهوية مزاحة وتعرضت إلى ما يشبه التفكيك ولاحقا أيضا واجهت نوعا من أنواع الخلخلة بالعلاقة مع قضية كبرى واعني بها القضية الكردية".. حقيقة الفقدان الكبير دائما يترك فراغات أكبر منه ويترك هوة لا يسدها ألا البحث عن الجهد ورحيل شخص مثل سعدي المالح يترك فراغا لا يسدها إلا منجز، وإلا هذا التتبع والتخفي الذي لمسناه فيما قاله الأستاذ ناجح المعموري، هذا الاعتقاد الجازم بأن هذا الرواية ليست مجرد استطراد سردي وإنما الكلمات والجمل تحمل أسرارها في كواليسها ?ل شيء مقصود، كل كلمة محسوبة. الشاعر مروان عادل حمزة قرأ للناقد جاسم عاصي قراءة نقدية لبعض نصوص سعدي المالح القصصية، قال:" الدكتور سعدي المالح لا يشترك لوحده بما هو تاريخي وما هو ميثولوجي بل سبقه مجموعة كبيرة من القصاصين والساردين السريان، لذلك ربما جميع المحاولات من هؤلاء النخبة الطيبة قد تأثروا بالنصوص والكتب المقدسة كالتوراة والعهد الجديد، كما تأثروا بمخطوطات والوثائق القديمة، ولعل أهم تلك التأثرات هي عن الحكيم الذي هو كاتب الملك سنحاريب وحافظ اختامه، وعلى سبيل المثال منهم "عادل دنو وينادم كزاير ويوسف مت? ونور صبري ويوسف يعقوب حداد وسركون بولص وسعدي المالح بنيامين وفاضل نوري سهى رسام"، وآخر الساردين الكاتبة جورجينا بهنام التي نشرت بضع قصصها في "طريق الشعب".