- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 20 أيلول/سبتمبر 2015 19:38

على هامش جلسة الاحتفاء بالفنان فيصل لعيبي، التي اقيمت مؤخرا في مدينة البصرة بمناسبة زيارته اليها بعد غياب سنين طويلة في الغربة، والتي كان القاص محمد خضير بين المشاركين فيها، استجاب القاص خضير لطلب "طريق الشعب" وخصها بملاحظات عن الفنان لعيبي، وانطباعات عن اعماله، ورؤية الى مصائر عمله على لوحته.
تحدث محمد خضير اولا عن خصوصية أعمال فيصل لعيبي:
"يتولد انطباع عام لدى من يشاهد لوحات فيصل لعيبي بتشابه الوجوه والثيمات والأشكال في مراحل مختلفة، وكأن الفنان منهمك في رسم لوحة سردية طويلة يمتد سطحها التصويري مسافة تغطي خمسين عاماً من القطوعات التاريخية والمعرفية، وتختلف فيها المؤثرات والمصادر. ينتقل الفنان من جزء إلى جزء ثم يعود إليه ليكمله في مرحلة أخرى. وهو الانطباع الذي قد يتولد عن مشاهدة بيكاسو وهو يرسم لوحته الجورنيكا في شريط سينمائي. إلا أن لوحة فيصل الطويلة التي قد يستوحي مقاطعها المرسومة من المحيط الذي يتأثر به، لن تكتمل أبداً ما دام الفنان حياً يزود لوحته من مادة ضميره الحي وديمومته ومسؤوليته إزاء قضايا عصره. وهي لوحة تلخص تاريخ الفن التشكيلي العراقي بتحولات كل مرحلة وتأثيراتها القوية في الفنانين الذين عاصروا لعيبي. وهؤلاء من زملاء الفنان في المعهد والكلية، ورفاق العمل الصحفي في جرائد ومجلات العاصمة خلال فترة الستينيات الماضية، وكانوا يمرون على لوحته الطويلة وينعكسون فيها أو يدخلوها. "
وتناول محمد خضير النهايات المحتملة لهذه اللوحة السردية الطويلة:
"الانتقال البعيد للفنان إلى خارج العراق لم يقطع صلته الرمزية بموقع الانتاج العضوي المحلي الذي بدأ فيه محاولاته الأولى في التخطيط ، ثم طورها إلى أسلوب الكتلة الصلبة المستوحاة من النحت العراقي القديم، وعرج بعدها لرسم الكتلة الواقعية المتمثلة في النساء النائحات على أبنائهن الشهداء في سبعينيات القرن الماضي من ضحايا الاضطهاد والقمع الديكتاتوري وضحايا حروب الخليج في العقود التالية، ولم ينقطع بين هذه الأجزاء عن العودة إلى استلهام محاولات المدرسة البغدادية وخاصة محاولات جواد سليم في تأسيس أسلوب عراقي يتمثل في منمنمات الواسطي. لكن المرحلة الحاسمة لعمل فيصل لعيبي كانت في توسيع الجزء الذي صور فيه مشاهد من الحياة الشعبية العراقية بأسلوب الجداريات المكسيكية الكبيرة والتركيز على شخصياتها اليومية كالحلاق وعامل المقهى والخيّاطة وبائع الفاكهة وغيرهم. وهنا نتساءل : هل انتهى عمل فيصل على لوحته وأنجز مهمته فيه؟ نقول من هذا الطرف الذي يقع في طرف اللوحة الطولية، أن عمله الفني انعطف ليتخذ نسقا دائريا تعود فيه النهايات على البدايات، ليؤكد اتصاله الرمزي بأعمق تقاليد الفن التشكيلي العراقي التي تعرضت إلى القطع والاندثار بتأثير الحرب والاضطهاد السياسي والفكري، يعود إليها ليملأ فراغاتها الناقصة".
وأبدى محمد خضير بعد هذا رأيه في مزايا شخصية الفنان لعيبي الفنية والفكرية:
"يعتقد فيصل لعيبي أن العمل الفني حرفة يدوية وتقانة تتطلب الحفاظ على أوليات التقليد، واستجابة واعية لتحديات ميديا الفن ومفاهيمها المتغيرة وتطبيقاتها الواسعة في وسط غريب ومتغير. ويبدو لي أن الفنان فيصل قبل بهذا التحدي وحقق تقدما ونجاحا في هذا المجال الخطر، بما يتمتع به من مزايا شخصية أصيلة تتمثل في صحوة الضمير وطاقة الفن التقليدية وصفاء الرؤية. وهي مميزات لم يستطع فنانون كثيرون صونها عندما انتقلوا من محيطهم المحدود إلى محيط عالمي واسع".