ادب وفن

عبد الله صخي:في المنفى شيدت وطنا بحجم القلب/ عبد جعفر

عرف القاص والروائي عبدالله صخي بأنه مقل في الإنتاج، وقد صدرت له في اوئل الثمانينيات مجموعته القصصية (حقول دائمة الخضرة) ، وبعد صمت طويل صدرت له في الاعوام الأخيرة روايته (خلف السدة) ولحقها بالجزء الثاني (دروب الفقدان).
وفي شهادته عنه يقول الناقد عدنان حسين أحمد أن قصص عبدالله صخي تميزت بالسردية الفنية العالية واللغة الصافية والحبكة القصصية، كما تميز الكاتب بالترجمة. ومن ضمن ما ترجم قصص لهيرمان هيسه. وباعتقادي أن أفضل من يترجم الجنس الأدبي من كان له باع فيه".
وأشار أحمد إلى أن روايتي عبد الله صخي (خلف السدة) و(دروب الفقدان) تركتا بصمة واضحة في المشهد الروائي وتميزتا بشخوصهما وبحبكة النص المحكمة.
وعاش عبدالله صخي في منافي عديدة بعد خروجه من الوطن عام 1979لا عد لها ولا حصر.
وفي مغتربه الأخير في لندن توجهنا اليه بالسؤال كيف تنظر الى تجربتك في المنفى؟
فأجاب:

اعترف أن المنفى كاد يفتك بي أكثر من مرة حينما بدأت أشعر بعمق أن العراق راح ينأى يوما بعد يوم، ولا أمل بالعودة يلوح في الأفق. توقفت عن الكتابة نحو خمسة عشر عاما. كنت يائسا، أبذل جهدا مضنيا للعثور على نافذة طليقة تطل على صفاء إنساني يمنحني هدأة نادرة حتى لو كانت هدأة الموتى. وأدركت أن المنفى سوف يسلبني حياتي وربما إنسانيتي. وتذكرت ما قاله لي الكاتب والإعلامي إبراهيم الحريري بعد نحو عام من بدء التسرب القسري خارج العراق: "المنفى إما أن يبنيك أو يهدمك". كان ذلك بمثابة تحذير، كأن الحريري أراد أن يقول إن الأمر بيدك، يمكنك تفادي الهلاك. كلما خطرت في بالي تلك الوصية الثمينة أفكر بالوسائل التي تبقيني على قيد الحياة.
في مقال له بعنوان "أوطان خيالية" يطرح الكاتب الهندي الأصل البريطاني الجنسية سلمان رشدي الأمر على النحو التالي: "اشتقاقيا يعود مصدر كلمة (ترجمة) إلى اللاتينية "ترادوسيره" والتي تعني (نُقِلَ إلى حيّز أبعد). لقد نُقلنا نحن إلى مكان أبعد من مكان ولادتنا، إذن نحن كائنات مُترجَمةْ، وما هو متفق عليه هو أننا سنفقد شيئا ما في الترجمة". ويضيف رشدي: "ولكنني أتمسك بالفكرة القائلة بأننا نستطيع أن نربح شيئا أيضا". أما الكاتب البولندي ستيفان ثيمرسون فيعتقد أن "الكاتب لا يمكن أن يكون في المنفى. ما المنفى إلا وهم. الكاتب أينما حل فهو في وطنه" (نقل هذا الرأي هاتف الجنابي في مقال بعنوان مقدمة في المنفى والمهجر). وبالنسبة لي، ولكي أربح شيئا وأظل في وطني رحت أشيّد وطنا خاصا بي، وطنا لي وحدي بحجم الكف، أقصد بحجم القلب، ارسم منازله وأشجاره وأنهاره وأكواخه ومواطنيه ثم أهدمه لأبنيه مجددا. من هنا ولدت رواية "خلف السدة" التي عالجت فيها مكانا لم يعد له وجود، بنيته ثم هدمته ثم بنيته من جديد.