مدارات

الحزب الشيوعي المصري : موقفنا السياسي من التطورات الأخيرة

(الموقف في اليمن – الاتفاق النووي الإيراني – تصاعد الإرهاب – الانتخابات البرلمانية )
أولا: الموقف في اليمن
أثار اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة في اعقاب عودة رئيس الأركان المصري من الرياض لحضور اجتماع رؤساء أركان الدول المشاركة في تحالف "عاصفة الحزم" بقيادة السعودية ،وما تلاه من تصريحات هامة للرئيس السيسي تساؤلات وملاحظات يمكن تلخيصها في النقاط آلاتية :
1- هناك التباس في الهدف من اجتماع رؤساء أركان دول التحالف في الرياض ،وهل كان ذلك أساسا لمناقشة الأوضاع التي تواجهها قوات التحالف وخاصة التدخل بقوات برية في اليمن ؟ أم أن ذلك كان في إطار التمهيد لمناقشة قرار القمة العربية الأخيرة بتشكيل قوات عربية مشتركة ،خاصة وان قرار القمة أكد على تكليف مصر بدعوة رؤساء أركان الدول الموافقة لمناقشة الأمور المتعلقة بتنفيذ هذا القرار في القاهرة خلال شهر .. ونحن نرى ضرورة الوضوح وعدم الخلط بين القوات العربية المشتركة وبين التحالف الذي تقوده السعودية في اليمن، وذلك لاختلاف أهداف وطبيعة وقيادة كلا منهما، خاصة وان التحالف الذي تقوده السعودية يضم دولة باكستان غير العربية.
2- أن تصريحات الرئيس السيسي بعد اجتماع المجلس العسكري الذي استمر ست ساعات تتضمن إشارات ملتبسة ، ولم تعط إجابات واضحة عن موقف مصر وخاصة في موضوع التدخل البري في اليمن ..حيث أكد السيسي في تصريحاته على أن هدف مصر هو حماية مضيق باب المندب، وأنها تسعى إلى حل سياسي، وانه حريص على كل نقطة دم مصري. وفي نفس الوقت نجد في نفس تصريحاته دعوة واضحة للدفاع عن الأشقاء وحمايتهم، وتحذير من الوقيعة بين مصر واشقائها واختلاف الظروف الآن عن الستينات، وان أي تدخل يجب أن يخضع لحسابات دقيقة.
ونحن نطالب الرئيس بان يصارح الشعب بكل وضوح وشفافية حول دور القوات المصرية في هذا التحالف كما نؤكد على ضرورة احترام مواد الدستور التي تلزم الرئيس بأخذ رأي المجلس العسكري وموافقة مجلس الوزراء ومجلس الدفاع الوطني في حال إرسال أي قوات مصرية إلى الخارج في غياب البرلمان. كما نؤكد على موقفنا المطالب بإعادة النظر في المشاركة في هذا التحالف، والرافض للتورط في أي عمليات برية في اليمن والداعي إلي أن يكون لمصر دور مبادر في الضغط من اجل وقف كل العمليات العسكرية في اليمن، وطرح مبادرة للحل السياسي سيكون لها صدى كبير عربيا ودوليا وإقليميا خاصة وان كل الأطراف اليمنية ما زالت تأمل في دور فاعل لمصر للخروج من هذه الازمة .
3- إن مصلحة مصر يمكن أن تتوافق جزئيا مع مصلحة السعودية في بعض القضايا ولكنها تتناقض بشكل واضح مع موقف وأهداف السعودية في هذه العمليات في اليمن، وأيضا مع موقفها في سوريا، ومن خطر الجماعات الإرهابية المتسترة بالدين وهو الذي يعد الخطر الرئيسي على مصر في الظروف الراهنة. كما تختلف مصلحة الأمن القومي المصري مع استمرار تأجيج الصراع السني الشيعي في المنطقة الذي لن يخدم عمليا سوى أمريكا وإسرائيل.
ثانيا: الاتفاق حول البرنامج النووي الإيراني
توصلت الولايات المتحدة ومجموعة دول( 5+1 ) مع إيران بعد مفاوضات طويلة لاتفاق إطار يحدد إجراءات تنفيذية تمهد للوصول إلى اتفاق نهائي يقره مجلس الأمن قبل نهاية يونيه 2015.وأسفر هذه الاتفاق عن صفقة يتم بمقتضاها منع إيران من تطوير برنامجها النووي لإنتاج أسلحة نووية ووضع الضوابط الكفيلة بمراقبة تنفيذ ذلك بدقة خلال الخمسة عشر عاما القادمة، وذلك مقابل رفع جميع العقوبات الاقتصادية عن إيران.
ولقد تضاربت ردود الأفعال على ذلك الاتفاق ما بين رفض وتهديد إسرائيلي وترحيب في أمريكا والدول الغربية وروسيا والصين، وقلق في السعودية ودول الخليج، وترحيب صاحبه احتفالات في إيران. ولم يصدر أي موقف رسمي من الدولة المصرية حول هذا الاتفاق حتى الآن.
ويرى الحزب الشيوعي أن هذا الاتفاق يعتبر خطوة هامة في إطار ما طالبت به مصر والدول العربية، وما ناضلت من اجله القوى الوطنية والتقدمية العربية من اجل إخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية. مع التأكيد أن الشرط الأهم لتحقيق هذا الهدف وهو نزع أسلحة إسرائيل النووية التي تمثل التهديد الرئيسي للأمن القومي العربي والمصري لم يتحقق حتى الآن. وهو ما يقتضي ضرورة استمرار النضال والاستفادة مما تحقق لإطلاق حملة واسعة دوليا وإقليميا وعربيا للضغط على إسرائيل لنزع أسلحتها النووية.
ومع تقديرنا للمخاوف من أن يؤدي هذا الاتفاق إلى إطلاق يد إيران في المنطقة لتحقيق أطماعها القومية في المنطقة مما يؤدي إلي تصاعد الصراعات والحروب ، إلا أن مواجهة ذلك الأمر لن تتحقق من خلال تصعيد العداء مع إيران والاصطفاف خلف السعودية، وإنما من خلال تفعيل الدور المصري الوطني التحرري عربيا وإقليميا لسد الفجوة الخطيرة التي نشأت عن غياب هذا الدور لأكثر من أربعين عاما كان فيها النظام المصري تابعا تبعية كاملة للولايات المتحدة وخاضعا لنفوذ قوى الرجعية في المنطقة.
وهذا الدور المطلوب لا بد أن يستند إلى سياسة خارجية مستقلة وتنمية اقتصادية اجتماعية ثقافية شاملة معتمدة على الذات أساسا، وتحول ديمقراطي حقيقي لإقامة دولة مدنية حديثة، ومواجهة حاسمة مع الإرهاب ومع المخطط الأمريكي الصهيوني في المنطقة. دور قادر على إقامة علاقات مصالح ندية ومتوازنة مع القوى الإقليمية الكبرى في المنطقة خاصة تركيا وإيران بما يضمن ويساعد الشعوب العربية على مقاومة أي محاولات للتوسع والهيمنة في بلدانها.
ثالثا: الموقف من تصاعد العمليات الإرهابية
يرى الحزب الشيوعي أن تصاعد العمليات الإرهابية الأخيرة في شمال سيناء لا يمثل تغييرا جوهريا في الموقف على الأرض، وان العمليات التي تقودها القوات المسلحة والشرطة في سيناء والمحافظات المصرية طوال الأشهر الماضية للقضاء على هذه الجماعات الإرهابية المدعومة من أعداء مصر في الداخل والخارج قد حققت تقدمت واضحا. إلا أن استمرار هذه العمليات الإرهابية أكد على ضرورة ما سبق أن طالبنا به حول أهمية تفعيل المواجهة الشاملة – التي مازالت قاصرة حتى الآن – على كل المستويات الأمنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والفكرية.. هذه المواجهة التي تقتضي حشد كل أجهزة الدولة وتعبئة الجهود الشعبية لمواجهة هذا الخطر الداهم.
ونحن نعرف أن الانتصار في هذه المعركة على جماعة الإخوان و قوى الإرهاب والتطرف والظلام التي ترعرعت في مناخ الردة والاستبداد والتبعية طوال عشرات السنين لن تتحقق في يوم وليلة، وإنما تحتاج من كل القوى الوطنية والديمقراطية الاستمرار في نضالها لتحقيق أهداف ثورتي 25 يناير و 30 يونيو في الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، كما يتطلب ذلك أيضا تركيز جهود وإمكانيات وقدرات الدولة وعدم تشتيتها في معارك ليس لها الأولوية في هذه الظروف القاهرة.
رابعا: الانتخابات البرلمانية
أكد تقرير اللجنة المركزية في اجتماعها الأخير على انه رغم تحفظنا على قوانين الانتخابات، وتحذيرنا من تغول قوى اليمين في المجتمع وعودة رموز نظام مبارك إلا أن معركة الانتخابات البرلمانية هي معركة هامة في مسار النضال السياسي والديمقراطي ينبغي المشاركة فيها لإسقاط ممثلي قوى الثورة المضادة وفضحهم.
وبعد حكم المحكمة الدستورية بعدم دستورية بعض المواد في قانوني الانتخابات البرلمانية وتقسيم الدوائر إلا إن الحكومة مازالت تتخبط وتصر على دفع المشهد السياسي إلى المزيد من الارتباك والعجز عن إنجاز هذه الاستحقاق الثالث في خارطة الطريق.
ويبدو أن الحكومة مصرة على تكرار نفس ممارسات الأنظمة السابقة في إجراء حوارات شكلية مع الأحزاب السياسية مع تعمدها استبعاد بعضها ثم إدارة ظهرها لكل الاقتراحات السياسية للأحزاب والقوى السياسية عند صياغة القوانين واتخاذ القرارات ووضع الجميع أمام الأمر الواقع. وتؤكد تصريحات المسئولين أن الحكومة تتجه إلى الاكتفاء فقط بتعديل المواد التي قضت المحكمة بعدم دستوريتها ومن خلال نفس اللجنة الفاشلة التي تسببت في الكارثة رغم تحذير العديد من خبراء القانون والقوى السياسية.
ويبدو أن ذلك الإصرار يعكس نية الحكومة في عدم وجود برلمان فاعل ومؤثر في الحياة السياسية ليقوم بدوره الحقيقي في التشريع والرقابة مما يعكس رغبة النظام في استمرار الانفراد باتخاذ القرارات السياسية والاقتصادية التي تؤثر على مستقبل وحياة الشعب المصري .
ونحن نؤيد مطالب الأحزاب والقوى السياسية التي تدعو إلي انتهاز هذه الفرصة لتغيير قوانين الانتخابات لصالح زيادة نسبة المقاعد في المجلس على أساس القائمة النسبية (40% فردي -40% قوائم نسبية-20% قائمة مطلقة ) وذلك للاستفادة من المزايا التي يتيحها هذا التغيير لتطوير وإنضاج دور الأحزاب والقوى السياسية باعتبارها الأداة الأساسية لممارسة الصراع السياسي والاجتماعي، وتقليل عيوب النظام الفردي الذي يسهم في إعادة إنتاج نفس برلمانات النظم السابقة خاصة في هذه المرحلة وبعد فترة طويلة من تجريف الحياة السياسية.
الاثنين 6 ابريل 2015 المكتب السياسي
الحزب الشيوعي المصري