- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 02 آب/أغسطس 2015 21:39
ابراهيم الحريري
وفي غمرة النشاط حكومياً ومجتمعياً والحديث يدور هنا عن الجانب المحلي العراقي - من اجل تلبية الحد الأدنى من الحاجات الأنسانية،يجري اغفال، بالأحرى لايتم التركيز، خصوصا من جانب الحركات السياسية الأكثر وعياً والأبعد نظرا، الا نادرا، على الجوانب السياسية لهذه القضية المتفاقمة.
وحتى الجوانب الانسانية تشتبك، في الكثير من الأحيان، بالعوامل السياسية. مثل قضية السكن. اذ يشار الى عوامل فساد (وهي عامل سياسي) شابت صفقات تزويد النازحين بالخيام والكرفانات، والضجة التي تثار، بين آن ووآخر، حول عمل اللجنة الحكومية العليا المهتمة بشؤون اللأجئين التي يترأسها السيد المطلك، نائب رئيس الوزراء، وصلت الى حد المطالبة باستجوابه في البرلمان. وحتى هذه المطالبة تخضع للتجاذبات والتوافقات السياسية، وربما لتقاسم الغنائم...
ويبدو من متابعة ردود فعل النازحين، خصوصا من الرمادي مؤخرا، انهم اكثر ادراكا للجوانب السياسية للكارثة التي حلّت بهم، فهم يوجهون اصابع الأتهام الى السياسيّين المحليين الذين تركوهم وغدروا بهم وفروا الى ملاذات آمنة (فنادق درجة اولى في اربيل او في عمان)! بل ان ردود الفعل بلغت حد تهديد هؤلاء السياسيين بالويل اذا تجرأوا وعادوا الى مناطقهم....و تتشابه الى هذا الحد او ذاك، ردود افعال النازحين والمهجرين في مناطق اخرى..
كذلك حرمان النازحين في بعض المناطق التي تم " تحريرها " من العودة الى مناطق سكناهم، بدواعٍ امنية، كما يقال، بينما يجري الحديث عن هدم المئات من المنازل بهدف احداث تغيير ديموغرافي، (وهذا عامل سياسي بامتياز) كما يعتقد الكثير من النازحين - او المتحدثين باسمهم - في مناطق معينة.
ولا يمكن للمرء ان ينسى الصرخات المدوية، المروعة، بحسب ما ظهر في احد الفيديويات، التي صبها بعض ضحايا مجزرة سبايكر على القائد العام للقوات المسلحة وقتها (السيد المالكي) وهم يساقون الى المسلخ، كالنعاج، محملين اياه مسؤولية ما حل بهم.
واذ تبدي جهات مجتمعية وسياسية متزايدة اهتماما بقضية النازحين والعمل الأنساني (معونات وتبرعات الخ...) وهو ما يمكن ان يطلق عليه " العمل من اجل النازحين " فانه يبرز، ادراكا للجانب السياسي في هذه القضية، مسألة اخرى، لا تقل اهمية، يمكن ان يطلق عليها " العمل بين النازحين ".
يصرخ النازحون بلوعة وهم يحاولون ان يجدوا اجابات مقنعة لما حل بهم: "ليش؟ احنا شمسوين؟ " الخ من الصرخات المشروعة، المريعة...
ينبغي ان يهتم " العاملون بين النازحين " بتقديم الرد المقنع على اسئلة النازحين المشروعة ومساعدتهم على ادراك العلاقة بين مأساتهم وبين الوضع العام في البلاد. ولا يمكن، بالتأكيد، الفصل بين النشاط الأنساني من اجل النازحين وبين النشاط السياسي، اذا صحت التسمية، فلا ريب في ان الأول يخدم الثاني، على ان لايكون الهدف من الأول خدمة الثاني، فالتخفيف من معاناة النازحين يظل يحتل المرتبة لأولى، انطلاقا من المبادئ الأنسانية, التي تحكم حقا وصدقا، نشاط بعض الحركات و التنظيمات التي تهتم بقضية النازحين.
فعندما يتساءل ملايين النازحين في اماكن النزوح التي تكاد تغطي البلاد: كيف حدث ما حدث؟ كيف انهزم مئات الألوف من الجنود والمراتب أمام عصبة من الأرهابيين؟ سياتي الجواب: لقد هرب القادة (بعضهم يقول ان اوامر صدرت اليه بالأنسحاب)!
لكن كيف جرى اختيار هذا النوع من القادة؟ على اي اسس؟ وعندما يتكرر الأمر في اكثر من مكان فانه يصبح واضحا ان الخلل لا يكمن في هذه الجبهة او تلك، بل في الأسس التي تم اعتمادها عند اعادة بناء الجيش. فهذا لم يتم على اساس مهني وطني، بل على اساس الولاء الطائفي، الشخصي. واذا اضيف الى ذلك ما تكشف عن وجود مئات الوف الجنود " الهوائيين " اي غير الموجودين فعلا، اي الموجودين على الورق فقط، بينما يتقاسم مخصصاتهم كبار القادة، فان عامل الفساد يتداخل هنا مع العامل الطائفي.
لكن، مرة اخرى، كيف ولماذا حدث ذلك؟ لأن السياسة التي كانت تقود الدولة هي مزيج من تداخل عوامل الطائفية والفساد وقد انعكس ذلك على كل مؤسسات الدولة، والأخطر من ذلك على اعادة بناء الجيش. وعندما واجه الجيش اول امتحان جدي له، (داعش)، بانت عيوبه، العيوب البنيوية التي رافقت بناءه منذ البداية وتضخمت مع تضخمه المرضي،(فابو جروة يبيّن بالعبرة) و" ابو جروة " هنا ليس هذا القائد العسكري او ذاك، بل كامل السياسة التي حكمت بناء الجيش وكل مؤسسا ت الدولة.
سيتساءل النازح: لكن من وضع هذه الأسس ومن ساهم في ارسائها وتعميقها؟ ولا يجد المرء كبير صعوبة في تشخيص من وضع هذه الأسس: انها ادارة الأحتلال! وساهم في ارسائها طبقة من السياسيين الطائفيين الفاسدين وهم المستفيدون منها، المتعاركون اي منهم يفوز بالنصيب الأكبر من الثروة وكيف يعظم نصيبه من السلطة ليتعاظم نصيبه من الثروة، ما دامت السلطة، وليس العمل المنتج، هي الأداة الرئيسة للحصول على الثروة ولمراكمتها.
سيصرخ النازح، محتجا، ما علينا وحديث السياسة هذا؟ نحن نريد ان نعود! وهي صرخة مشروعة ومفهومة...
لكن دعنا نتساءل، نحن والنازحون كيف سيتم ذلك؟ ومتى؟
سيتصدى فصيح الى القول: عندما ستتم هزيمة داعش ! وما اسهل قول ذلك وما اصعب تحقيقه على ارض الواقع، بغض النظر عن كل التمنيات والرغبات. ذلك ان تحقيق اي هدف يتطلب توفير الشروط المطلوبة لذلك، فكيف بالتغلب على اعظم كارثة بل اعظم زلزال تعرضت له البلاد بعد الغزو الأمير كي.
سيهتف النازح متلهفا: خلّصنا! انطق الجوهرة! ولا تلعب بأعصابنا! نريد ان نعود! كيف يمكن ان يتحقق ذلك ولك الثواب دنيا وآخرة!
سيتنطق " الفصيح " ويرد متأنيا: عندما يتم التخلص من العوامل التي ادت الى ظهور داعش...
يكاد النازح يشد شعره ويقول نافذ الصبر: ها نحن نعود من حيث بدأنا. مثل احجية البيضة والدجاجة: ايهما الأسبق الى الوجود!
من حق النازح ان يعبر عن برمه ونفاد صبره. ويكاد الأمر يبدو له ولغيره مثل احجية لا حل لها. فكيف سيتم التخلص من العوامل الى ادت الى ما نحن فيه، ما دام لم يحدث تغيير جوهري في قمة السلطة التي قادت البلاد الى ما هي فيه؟
اجل ! لم يحدث تغيير جوهري ذلك ان القوى القادرة على احداث التغييرالجوهري لم تتوفر بعد، هي لاتزال في طور التكون وهي لا تملك القدرة على التمكن من احداث التغيير الجوهري بين عشية وضحاها، وفقا للتمنيات والرغبات الذاتية، خصوصا في وضع معقد، مثل الوضع في العراق. وهو - اي التغيير في ميزان القوى لصالح التغيير الجوهري لا يحدث فجأة، لا ينزل من السماء، بقدرة قادر او بعصا ساحر، بل بالنشاط اليومي بين الناس، على الأرض، بقيادة نضالاتهم من اجل التغيير، مهما كان صغيرا، وفي اي ميدان، بل في كل ميدان، ومراكمة المنجزات التي تتحقق بفعل نشاط الناس وتطور وعيهم وثقتهم بانفسهم، على الطريق من اجل احداث التغييرالجوهري.
صحيح! لم يحدث تغيير جوهري في قمة السلطة، لكن حدث تغيير " خرق " اذا صح التعبير، وهذا ا لخرق لم يحدث فجأة، بل نتيجة تراكم عوامل وضغوط كثبرة، بل متناقضة احيانا، جرى التطرق اليها، كان العامل الخارجي فيها هو الأبرز، بسبب ضعف العامل او العوامل الداخلية البعض يذهب الى ان العامل الخارجي اضاف الى العامل الداخلي.
لكن بغض النظر عمن كان له الدور الأبرز، الخارجي او الداخلي, او بسبب تضافرهما معا، فقد حدث التغيير، الخرق، ولم يكن هذا بمعزل عن قناعة اكثرية كبيرة من الناس ونشاط قوى سياسية عديدة لدوافع مختلفة.
حدث خرق، ويرى البعض انه يمكن توسيعه..
هنا يصرخ النازح غاضبا، نافد الصبر: انتم وخرقُكُم وفذلكاتكُم السياسية! بينما تخترق داعش الأرض العراقية من كل حدب وصوب ويتزايد عددنا، نحن النازحين، ويخترقنا البرد حينا، والحر حينا أخر، ونقص الغذاء والدواء اكثر الأحيان...
نريد ان نعود!
يرد "الفصيح " او" المتفاصح ": ليس قبل ان تهزم داعش!
رجعنا على سالفة عام الأول "! يرد النازح وهو يتميز غيظا.
صبرك...صبرك يا اخي ! "يجيب الفصيح ويردف " المعركة تدور..."
والقيامة، الهزائم، تدور ايضا " يرد النازح ساخرا...
لا يمكن لأي ذي عينين ان لا يرى ذلك، سواء كان نازحا او يترقب، خائفا...
صحيح ان المعركة كر وفر، لكن ينبغي على الشاطر، خصوصا اذا كان قائدا، ان يتعلم من الأثنين، خصوصا من الفر، ويبدو ان هذا لم يحدث وبالقدر المطلوب.
تعب جميع المخلصين من تكرار انه لا بد لتحقيق النصر من تلافي اسباب الهزيمة، وفي مقدمتها المحاصصة الطائفية البغيضة، وانه لتحقيق ذلك لا بد من عقد سياسي اجتماعي جديد على اساس المواطنة الحرة لا الأنتماء الطائفي او الأثني، ولا يمكن ان يبرم هذا العقد سوى مؤتمر وطني تشترك فيه القوى السياسية / الأجتماعية الفاعلة، المؤثرة وان تحقيق ذلك يتطلب ان تتجاوز الدعوة الى عقد المؤتمر الوطني تبادل المذكرات والوفود، ان تتحول الى حركة شعبية تمارس الضغط بمختلف الأشكال، من الوفود الشعبية الى التجمعات الى التظاهرات والأعتصامات،على?من بيدهم الدعوة الى المؤتمر، رئاسة الجمهورية، مجلس الوزراء، مجلس النواب الخ
و انه لتحقيق ذلك يجب ان تتحول المعركة من معركة عسكرية ضد داعش الى معركة من اجل رد الأعتبار للوطنية العراقية واعادة بناء الدولة العراقية على هذه الأسس.
يتساءل النازح بين الجد والسخرية: يعني لازم ننتظر الى ان يتحقق كل هذا؟ يعني موت يا حمار لمّنْ يجيك الربيع؟هل تضمن لي اذا تحقق كل هذا ، هذ إذا تحقق، انني سأعود؟ وهل ستترككم داعش تحققون كل ذلك، مكتوفة اليدين؟
طبعا لا! فالمعركة تدور، وكل يستعد بكل ما يتوفر لديه من اسلحة. الشاطر من يعبئ كل اسلحته، كل اسلحته، ولدى القائد العراقي من الأسلحة ما يمكنه من ان يتفوق على العدو، وتحقيق النصر، اذا احسن تعبئتها، ان يكون حازما لا تتجاذبه الضغوط، كل في اتجاه، فاخطر ما يمكن ان يعانيه اي جيش هو ان يكتشف ان قائده لا يملك الأرادة ولا قوة العزيمة، ولا يحسن تعبئة القوى التي في متناوله، فضلا عن تعظيمها.
و نحن، اين نحن من هذا كله؟ ونحن على ما نحن عليه من تشتت وتبلبل وفقدان الأمل؟ يتساءل النازح.
اجل! هل للنازح مكان في كل ما يدور حوله، وهو لا يكاد يجد المأوى ولا القوت ولا الدواء الخ...؟
لماذا تسييس قضية النازحين؟
يتساءل البعض، بمن فيهم بعض النازحين قسرا، فهم يعانون المشاكل بما فيه الكفاية ويزيد، فلماذا نضيف الهم واليها؟
لأنها بالفعل قضية سياسية من حيث الأسباب، ومن حيث النتائج، وقد جرى شرح ذلك، ربما باستفاضة. ينبغي مساعدة النازحين على ادراك هذا الجانب من قضيتهم وهذا لا يعني- اغفال الجوانب الأنسانية - با لأحرى اللاانسانية في وضعهم الراهن. ولا يعني هذا، بالضرورة، ان يهتم سائر العاملين من اجل مساعدة النازحين، فرادى وجماعات ومنظمات، بهذا الجانب، الدعاوى، اذا صحت التسمية، فهو مهمة الطلائع الواعية بالأساس.
و ترد على الخاطر، بعض الأمثلة: فعندما عاد الجنود الروس عام 1917 من الجبهة حفاة، ممزقي الثياب، مهزومين، جياعا، انتشر بينهم الدعاة البلاشفة، وكانوا هم يقدمون لهم الخبز والحساء والملابس، يبذلون جهدهم ليشرحوا لهم، كيف تواطأ كبار الجنرالات الروس، المقربين من العائلة القيصرية، مع الجنرالات الألمان..الخ، مما لا مجال في هذه العجالة للأفاضة فيه. وقد ساعد هذا النشاط في تحويل كتلة كبيرة من الجنود المهزومين، وقد وعوا مأساتهم، على التحول الى قوة لها وزنها في تحقيق التغيير.
و يمكن ايراد مثل آخر من الواقع العراقي: فعنما تهدد بغداد شتاء عام 1964 الفيضان، تدافع الطلاب والعمال الشيوعيون واصدقاؤهم الى جانب الجنود، لحماية بغداد من الغرق، ولم يقصروا في الربط بين الخطر الذي يتهدد بغداد بسبب اهمال الطبقة الحاكمة تحصين بغداد، وبين انغمارها في تنفيذ المشاريع المشبوهة لربط العراق بالأحلاف العسكرية الأستعمارية. وترد على البال اغنية انتشرت بين العاملين من اجل انقاذ بغداد: " مشروع الجمالي (فاضل الجمالي، رئيس الوزراء في ذلك الوقت، وكان يسعى الى ربط العراق بمشروع الدفاع عن الشرق الأوسط او ب?شروع مشابه) مشروع الجمالي / بالراديو حجالي / ويريد يربطنا بحرب ما أِلْها تالي " !
و هل يمكن اغفال ما كان للنشاط السياسي بين الجنود العائدين من الحرب على الكويت عام 991، التي اشعلها حاكم مهووس احمق، فقادت البلاد الى كارثة دفع ثمنها الجنود والمراتب الذين جرى زجهم في هذه المحرقة، والبلاد باسرها، هل يمكن اغفال ما كان لهذا النشاط الذي شاركت فيه قوى معارضة عديدة من دور في تحويل عمل فردي (تمزيق صورة صدام حسين او تحطيم تمثاله) الى انتفاضة عمت اكثر مدن العراق واريافه وكادت تطيح بالنظام لولا ان سمحت الأدارة الأميركية وقوى اقليمية معروفة, للنظام بقمع الأنتفاضة باشد الأساليب وحشية, مقابل تنازلا? قدمها النظام من سيادة العراق وحدوده؟
سيجادل البعض: لكن الوضع هنا مختلف! على الأخص في الهدف ويمكن، ايضا. ايراد ما لا يحصى من الحجج من قبيل انتشار النازحين وتشتتهم وتعدد ولاءاتهم الخ...
وهذا كله صحيح ويمكن ان نضيف الى ذلك ما هو اكثر ايلاما، انهاكهم بمشاكل الحياة اليومية و...فقدان الأمل او يكاد.
لكن ثمة، رغم كل الأِختلافات، ثمة هدف واحد يجمعهم:
العودة! وخلال ذلك، التخفيف من معاناتهم وتحسين ظروف حياتهم.
فهل ثمة دور للنازحين في ذلك؟
النازحون كقوة فاعلة، مؤثرة
طرح في ختام الحلقة السابقة هذا السؤال: هل للنازحين دور ازاء قضيتهم؟ والأصح القول: كيف يمكن ان لا يكون للنازحين دور ازاء قضيتهم؟ اليسوا هم الذين تم اجتثاثهم من بيوتهم ومحالهم واعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم الخ... من كل مظاهر الحياة اليومية التي اعتادوا عليها والقي بهم الى المجهول ؟ اليسوا هم الذين جرى تحويلهم بوحشية، بكل مظاهرها التي لا تصدق (الاغتصاب، الأسترقاق، الإبادة الى غير ذلك من بشاعات يطول تعدادها) من قوة فاعلة, منتجة، مؤثرة في حياتهم وفي حياة مجتمعاتهم الى كتلة هلامية لا حول ولا قوة لها، تعيش مكرهة ?لى المعونات، وهذا هو الأخطر، الذي سيترك تاثيره البالغ على النازحين حتى بعد عودتهم، وربما لأجيال قادمة؟
المسألة الملحة، الآن، هي هل يمكن اعادة تأهيل النازحين ليصبحوا، من جديد، ولو بقدر، قوة فاعلة مؤثرة في تحقيق هدفهم الأسمى: العودة! وتحسين ظروف حياتهم حتى يتحقق لهم ذلك؟
اجل ! ذلك ممكن ويتطلب الأمر من الجميع، منظمات المجتمع المدني، منظمات دولية، فضلا عن الحكومة الأتحادية والحكومات المحلية والأحزاب والحركات السياسية المعنية حقا بشؤون النازحين، مساعدتهم على تحقيق هذا الأمر.
العودة؟ اجل! لكن ذلك يتطلب استعادة الأرض، المدن، ولا يمكن تحقيق ذلك الا بطرد داعش منها. هنا ايضا يمكن للنازحين ان يكون لهم دور، بدلا من الركون الى اليأس أو انتظار ما سيفعله الآخرون من اجلهم. يمكن لذلك ان يخرجهم من حالة الأنتظار السلبي الى حالة المشاركة الفعالة في الأقتراب من تحقيق هدفهم، ما يمكن ان يشيع الأمل في نفوسهم. يمكن لمن هو قادر، الشباب خصوصا، ان ينضم الى التشكيلات المسلحة، الرسمية والشعبية، التي تنشط في مناطقهم. ويمكن الاستشهاد بالفصائل المسلحة للأيزيدين وبفصائل اخرى جرى ويجري تشكيلها لمقاومة?العصابات الهمجية ولدحرها، ويمكن الاستشهاد ، ايضا، رغم اختلاف الظروف، بالتجربة البطولية لأكراد كوباني.
غني عن القول ان ذلك يتطلب ان تعمل هذه التشكيلات، خصوصا القيادات السياسية والعسكرية منها، على استعادة ثقة الناس بها، خصوصا النازحين، بعد ان خذلتهم، وتسببت، الى جانب عصابات داعش، فيما هم عليه الآن. ومن المؤسف ان بعض التجارب الأخيرة وما يشاهده النازحون وغيرهم على الأرض من تخاذل وتردد القيادات السياسية / العسكرية، و تذبذبها ، خصوصا السياسية ،التي تتجاذبها ضغوط مختلفة، احيانا متعارضة، لا تساعد على استعادة الثقة بها، بل تعمل على اشاعة البلبلة والتشوش ولا يساعد هذا الا عصابات داعش .
يمكن،على الجانب الآخر، جانب حياة النازحين اليومية، بل يجب ان يكون للنازحين، للنشطاء الواعين خصوصا، دور مهم في تنظيم شؤون حياتهم المختلفة. يتطلب ذلك ، ان يبادر النازحون في مراكز تجمعاتهم الى تشكيل لجان تساعدهم على ادارة شؤوون حياتهم اليومية، وتمثلهم لدى الهيئات الرسمية وغير الرسمية، المحلية والأتحادية والدولية المعنية بشؤونهم (يتساءل المرء هل للنازحين دور اوتمثيل في الهيئة الوزارية الأتحادية التي يرأسها السيد المطلك؟)
و هل من قبيل المبالغة في الحلم ان تتجمع لجان المخيمات في مؤتمر يمثل مخيمات النزوح المختلفة ينبثق عنه اتحاد يمثلهم على مختلف الصعد (او الصعدان كما اجتهد الراحل الصديق هادي العلوي من جملة احتهاداته اللُغوية !) وان يشارك ممثلو هذا الأِتحاد في الوفود الرسمية لدى الجهات المانحة؟ الا يكون هذا ادعى للأِعتقاد بصدقية هذه الوفود واحترامها، على الأَخص بعد ما اثير من شبهات طالت لجنة المطلكَ؟
سيتساءل البعض: اليس هذا كثيراً؟ شفكرك؟ نعيش في المخيمات الى ان نموت؟
لا! ليت العودة تتحقق " الآن، الآن وليس غدا "! لكن حتى لو تم ذلك الآن او في وقت قريب، وهو امر، مع الآسف، لا يبدو" قريبا جدا "! اذا استعرنا لغة بعض دور العرض السينمائية (الله يرحمها!) في الدعاية لعروضها القادمة. حتى لو تم ذلك ستظل قضية النازحين - وليس هذا من قبيل التشاؤم بكل تعقيداتها ومضاعفاتها، ستظل قضية ماثلة، لسنوات، وربما لعقود، قادمة.