مدارات

النازحون كقوة منتجة .. ورشة فكتوريا يلدا كوركيس (2-2)

ابراهيم الحريري
يتم التعاطي مع قضية النازحين باعتبارها قضية انسانية،فيجري (وهو امر مطلوب، نبيل ولا غنى عنه، بل بتطلب المزيد منه) الركض هنا وهناك من اجل توفير المأوى والغذاء والقضايا الأخرى المتعلقة بتوفير حد ادنى من الاستقرار، المؤقت، النسبي لهذه الفئة من السكان، التي تكاد تتحول الى اكبر تجمّع سكاني، وتنضم اليها، بين الحين والحين، بل يكاد يكون كل يوم ، امواج بشرية جديدة .
يلاحظ القارئ ان الهم الاساس لهذه السطور وما سبقها هو تقديم بعض الأفكار، بعض المقترحات، التي يمكن ان تساعد النازحين والعاملين من اجلهم ، على تحسين ظروف حياتهم وتفعيل دورهم في التعامل مع قضيتهم بدلا من تركها فريسة للسماسرة المحليين والأجانب، وتقديم بعض النماذج الملموسة في هذا المجال، وليس الأِكتفاء بالتقاط الصور كما يفعل بعض المزوِّرين، المزوَّرين، ونشرها هنا او هناك، للوجاهة ولأغراض لاتمت بصلة للعمل الجاد من اجل التخفيف عن النازحين.
فكتوريا يلدا كَوركَيس (ام عادل) ناشطة شيوعية تقيم وعائلتها في مدينة دهوك. انخرطت وزوجها في مجالات نشاطٍ مختلفة، في مدن مختلفة وعانت وعائلتها كثيراً من النظام السابق، حتى انتقلت الى دهوك.
وما ان احتل داعش الموصل والقرى والقصبات المحيطة بها حتى كرست نفسها ونشاطها، هي وعائلتها لمساعدة النازحين، فوزعت المساعدات (ملابس، نقود، حولت بعضها الى مكائن خياطة وزعتها، بالتعاون مع الناشطة ماجدة الجبو ري على المخيمات).
تفتّق ذهنها مؤخرا عن فكرة : لماذا لا تقيم ورشة لتعليم بعض النازحات فن الخياطة والتطريز؟
اتصلت بمديرية الثقافة والشباب في دهوك التي شجعتها ووفرت لها قاعة لأقامة ورشة للخياطة.
السيدة بهار مسؤولة منظمة " ايما " زودتها بثلاث مكائن خياطة قديمة و(500) دولار. اتصلت ام عادل بنازحات من تلّسقف وبطنايا وقرى اخرى كانت عصابات داعش قد احتلتها وشردت اهلها. شرحت لهن مشروعها وعرضت عليهن الألتحاق به،ففرحن ووافقن.
في أوائل شهر حزيران, بدأت ورشة فكتوريا العمل.
لدى الورشة الآن متدربات يعرفن الخياطة والتفصيل والتطريز وصناعة الأقراط والأساور والحقائب ، بعد ان وفرت لهم ام عادل بمساعدة بعض تجار المدينة، المواد الاولية الضرورية.
لا تكتفي ام عادل بذلك، بل هي توفر لـ " بناتها " العناية الطبية والأدوية عند الحاجة، وتزورهن واهاليهن في محلات سكناهن. اما ابنتها التي تهيئ لعرسها خلال ايام، فتشكو عدم اهتمامها بها، وتكريسها وقتها كلّه للنازحات!
تطمح ام عادل الى اقامة ورشة كبيرة خاصة بها, وتهيئ لإقامة سوق خيرية تعرض فيها منتجات بناتها، وتتمنى ان تتوفر لها امكانية تحسين ظروف عمل البنات ولا يتطلب هذا الكثير ربما ثلاجة وبعض العصائر ووجبات خفيفة، فهل هذا كثير؟
بالرغم من المتاعب الصحية التي تعانيها ام عادل، فإن قلبها يعمل بمساعدة بطارية وبالرغم من مشاغلها بوصفها مسؤولة فرع كلدو-آشور لرابطة المرأة الكردستانية، فان فرحتها لا توصف،لأنها تعمل في المجال الذي تحبه وطالما نشطت فيه : العمل بين الناس ومن اجل الناس.
و اذا كانت هذه السطور عنيت بإبراز هذه التجربة فذلك للتدليل على انه يمكن، ببعض المبادرات، تحويل بعض النازحين الى قوة منتجة، ويتوجب تعميم هذه التجربة ليس في مجال فتح دورات وورش لتعليم الخياطة، فحسب، بل يمكن أيضا الأنتقال الى فتح دورات وورش لتعليم ولممارسة مهن اخرى كالنجارة،و الحياكة اليدوية، وغيرها من المهن التي لا تتطلب تجهيزا آليا كثيفا، متقدما.
الجانب الآخر في هذا المشروع هو العناية بتسويق منتجات هذه الورش وافادة العاملين فيها بالعائد المادي لعملهم، ما يحسن من ظروف حياتهم ويشجعهم على المواصلة، ويشجع آخرين على اللالتحاق بهذه الورش.
و لتحقيق هذا المشروع سيكون من المفيد اجراء احصاء للأختصاصات والمهارات المتوفرة بين النازحين لغرض الأستفادة منها وزجها، قدر الأمكان، في مشاريع منتجة، بدلا من تركها متعطلة، يتآكلها ويتآكل اصحابها الصدأ واليأس والمرارة، وربما مشاعر وتسلكات اخرى، سلبية، بل مضرة، خصوصا بين المراهقين والشباب، ويمكن،كحد ادنى،الأستفادة من طاقات االمراهقين والشباب في نشاطات عملية لا تتطلب قدرا كبيرا من المهارة، كالنقل والتوزيع 00الخ، لقاء عائد مادي ، مهما كان بسيطا، يساعدهم ويساعد عوائلهم، بدلا من تركهم فريسة سهلة لدعاة السوء وغواية الأنحراف بمختلف اشكاله وتلاوينه.
يمكن، بل من الأفضل، من اجل تطبيق هذا المشروع والتوسع فيه ، الأِستفادة من خبرة الوكالات الأجنبية، التابعة منها للأمم المتحدة خصوصا، والعاملة في مجال معونة النازحين واللاجئين، وقد تكاثر عددهم خلال العقود السنوات والعقود الأخيرة، مع الأسف، بسبب النزاعات الداخلية، او الهجرة الأقتصادية، واخيرا الأرهاب، بل انه يتوجب على هذه الوكالات ان تبادر هي، وان تشجع السلطات الأتحادية والمحلية ومنظمات المجتمع المدني،على سلوك هذا الطريق، بدلا من الأِكتفاء، فقط ،بتقديم المعونات الأِنسانية، على اهميتها.
واضح ، من ما تقدم، ان الهم الأساسي لهذه السطور، ليس العائد المادي لزج النازحين في عملية الأنتاج، مهما كانت بسيطة، اولية، بل تحويل القادر منهم خصوصا الى طاقة منتجة، ولو بقدر، كما كانوا قبل ان يجرى اجتثاثهم من جذورهم ، بكل ما صحب ذلك من وحشية تفوق التصور. فليس اصعب على المرء اكثر من احساسه بانه مهمش، معزول، معطل عن ممارسة واحدة من اهم وظائفه : اعني بها العمل المنتج، فالعمل المنتج ليس احتياجا ماديا، فحسب، بل حاجة اجتماعية، سيكولوجية، وهو، اي، العمل المنتج، مثل الصحة في المثل المعروف، تاج على رؤوس الأصحاء،الا يحس به الا المحرومون منه، حتى لو كانوا مُقْسرين على ذلك.
وتظل الخطوة الأولى من اجل تفعيل دور النازحين في كل ما يتعلق بحياتهم، هي تشكيلهم لجان المخيمات التي تساعد في تنظيم حياتهم اليومية، وتعبر عن مصالحهم.
"ليس بالخبز وحده يحيا الأنسان... "
لا اتذكر، بالضبط. اين قرأت هذه العبارة الرائعة، العميقة، المنسوبة الى السيد المسيح، في اي انجيل، في اي اصحاح. لكنها تعبرعن فهم عميق للأِنسان، وعن حاجاته، الروحية خصوصا، التي تكونت عبر تاريخ طويل من التحول من المملكة الأقرب الى الحيوان، المشغول بتلبية حاجاته الأولية، الى ما هو عليه اليوم من غنى وثراء روحي، على كل صعيد، من الأديان وطقوسها الى الفنون وتنوعها الى العلوم التي لا حد لأنطلاقتها وغورها وآفاقها. ونحن لا نزال في البداية...
و اذا كانت المجموعات البشرية، تعتبر، بحسب درجة تطورها، ممارسة هذه الطقوس جزءاً من حياتها اليومية فان النازحين، وقد انتزعوا، بوحشية لا مثيل لها، من هذه الحياة، وهم يعانون مختلف صنوف الحرمان، هم الأشد حاجة الى اثراء حياتهم وحاجاتهم الروحية، علّ ذلك يعوضهم، الى حد، عن حرمانات اخرى، قد لا يكون بالأمكان توفيرها لهم، في الوقت الحاضر، وفي مقدمتها العودة الى بيوتهم ومدنهم ومجتمعاتهم.
طبيعي ومفهوم ان يجري الأنشغال، من قبل جميع المعنيين، من حكومات محلية وحكومة مركزية (وليس هنا مجال للخوض في مدى جدية هذا الأنشغال ولا بعده عن الفساد والتربّح الذي يغزو كل مفاصل الدولة، على حساب آلام النازحين ومعاناتهم) فضلا عن منظمات مجتمع مدني وهيئات دولية وتلبية الحاجات الأولية للنازحين، من غذاء وكساء ودواء وماء ومستلزمات الصرف الصحي واسكان 00الخ
لكن ذلك وحده لا يكفي.
ينبغي التنبّه والعمل والأنتقال الى تلبية الحاجات الروحية للنازحين.
لا ادري، وانا هنا على مبعدة آلاف الأميال من العراق، اذا كان بذل اي جهد في هذا الأتجاه، لكنه ليس مضرا، بل قد يكون مفيدا، التنبيه الى ضرورة ذلك وتقديم بعض الأفكار والمقترحات التي قد تساعد على تحقيق هذا الأمر,
لكن ينبغي، بدءأ، تحديد ماذا نعني بالحاجات الروحية؟
غني عن القول انه، في الظروف الراهنة، وبالنظر للوضع الخاص للنازحين. لا يمكن تلبية كل هذه الحاجات، وهي لا حد لها وتتطلب امكانات وطاقات غير متوفرة، لكنه يمكن البدء ببعض الأمكانات والطاقات المتوفرة، التي قد تكون " تحت اليد ولم يجرِ التنبه لها ".
يمكن تقسيم هذه المصادر الى اثنتين :
1- داخلية (اي متوفرة داخل مخيمات واماكن النزوح)
2- خارجية (اي متوفرة خارج المخيمات، من فرق مسرحية وموسيقية وادباء وفنانين 00الخ (
من اجل تعبئة الأمكانات والطاقات الداخلية يتطلب الأمر البحث عنها داخل المخيمات، وهي موجودة، بهذا القدر او ذاك، في هذا المجال او ذاك.
الخطوة الأولى بهذا الصدد هي اجراء احصاء وتصنيف الطاقات، من اساتذة ومدرسين ومعلمين وفنانين وحثهم على تنظيم دورات ومحاضرات في مجالات تخصصهم، حتى لو كانت بعيدة عن الفنون. ويمكن للرسامين ومعلمي الرسم اقامة ورش لتعليم الرسم وتزويدهم بالأدوات الضرورية التي تمكّنهم من العودة الى الأبداع، وحثهم على اقامة معارض لهم، داخل المخيمات وخارجها. وينطبق الأمر على المختصين بمجالات الفنون الأخرى. بل يمكن، ويجب تنظيم دورات لمكافحة الأمية بين النازحين.
و اذا كان هذا يسهم في اشغال وقت النازحين بأمور مفيدة، فانه يسهم، بالقدر نفسه، في اشغال وشحذ طاقات المختصين المعطلة وتفعيلها.
2- يمكن تصنيف المصادر الخارجية الى قسمين:
أ- الرسمي، الحكومي،بما يشمله ذلك من مؤسسات حكومية، على الصعيدين المركزي الاتحادي، والمحلي.
ب- منظمات المجتمع المدني، فرق مسرحية، موسيقية، اتحاد الأدباء، التجمعات الثقافية والفنية الأخرى.
غني عن القول ان الدولة بما تملكه وتديره من مؤسسات ثقافية (المديرية العامة للمسرح والسينما والمؤسسات التابعة لها، (المديرية العامة للثقافة، والمديريات التابعة لها في المحافظات..الخ) فضلا عن الامكانيات المادية التي تتوفر لها، تظل برغم الفساد الذي يستنزفها وتراجع اسعار النفط والأعباء العسكرية التي فرضتها عليها مواجهة داعش، تظل الأقدر على تقديم المساهمة بجهد اكبر على العمل في المشروع الرامي الى اغناء الحياة الروحية للنازحين.
يمكن تنظيم فعاليات فنية للفرق المسرحية والموسيقية في مخيمات النازحين. يمكن توزيع الآلاف، بل عشرات الآلاف من الكتب خصوصا كتب الأطفال، التي تكاد تتعفن وتبلى في مخازن مديرية الثقافة على المخيمات والتي تساعد على تكوين مكتبات فيها.
يمكن لها اقامة مهرجانات للشعروالمباريات الشعرية، في المخيمات، الى غير ذلك من ضروب الممارسات الثقافية.
و ينطبق الأمر على منظمات المجتمع المدني والأتحادات التقافية العامة والفرق المسرحية والموسيقية الأهلية التي هي قد لاتملك الأمكانات المادية التي تملكها الدولة، الا انها اقدر على الحركة بحكم تحررها من الروتين البيروقراطي.
لا يمكن لهذه السطور الأِحاطة بكل اشكال المساهمة التي يمكن، بل يجب تقديمها للنازحين على طريق واغناء الحياة الروحية للمخيمات، لكنه لا ينبغي، ابداً اهمال هذا الجانب، بل ينبغي ان يوضع على جدول عمل الهيئات الحكومية وغير الحكومية المختصة.
ينبغي، بالتاكيد،مراعاة ان الظروف والخلفيات الثقافية والأجتماعية لمخيمات وتجمعات النازحين المنتشرين في طول البلاد وعرضها، ليست واحدة وهذا يضيف عبئا آخر على العاملين بين النازحين في مختلف المجالات، لكنه يمكن ببعض الصبر والروية تجاوز هذه العقبة او التخفيف من تأثيرها.
سيقول البعض : عرب وين...طنبورة وين! والله بطران! اين نحن من كل هذه الأفكار والمقترحات!
لكن هذه الأفكار والمقترحات تنطلق من الرغبة في جعل حياة النازحين اقل مشقة، واذا لم يتم الأهتمام بكل جوانب مشاكل النازحين، بكل ما يمثلونه من كتلة سكانية يتجاوز عددها الـ3 ملايين تزداد عددا ومشاكلَ يوماً بعد يوم، فان هذه المشكلة لا يمكن ان تتحول، مع الزمن، الى قنبلة موقوتة، مدمرة، لنفسها ولكل ما حولها، اجل افكار ومقترحات كثيرة، لكن لنبدأ، ولو بخطوة واحدة! وهذه الخطوة لا يمكن الا ان تكون تشكيل النازحين لجانا من بينهم، تتولى ادارة شؤونهم، لأن هذه المشكلة ستظل تتفاعل وتترك تأثيرها على مجمل حياتهم وحياة العراق، اما الحل النهائي، اذا كان ثمّة من حل، اي العودة، فمرتبط، شئنا ام ابينا، بمجمل الحياة السياسية العراقية، اي ببناء الدولة المدنية الديمقراطية. وكل خطوة تتم بهذا الأتجاه تقربهم من تحقيق هدفهم : العودة.!
«رياضيات» عليا!
سيبدو هذا العنوان غريبا وسيتساءل البعض : ما علاقة الرياضيات، والعليا منها خصوصا، بالنازحين؟ وهو سؤال مشروع، او حسبته كذلك حتى تبينت لي، ب " حسبة " بسيطة، العلاقة الجدلية (مع الاعتذار من الديالكتيك!) بين الطرفين.
ابدأ بسؤال بسيط : كم يكلف اعداد طاولة كرة منضدة (بنغ بونغ)؟ بشبكتها ومضربيها الخشبيين وبضعة كرات بلاستيكية؟ لست خبيرا بالمحاسبة ولا بالنجارة، على الرغم من اني مارستهما بعض الوقت، من ضمن ما مارست من مهن عديدة، فلم انجح في اي واحدة منهما.
لكن لنفترض، "جدلا " (مرة اخرى!) ان كل ذلك يكلف مائة الف دينار.
ننتقل الآن الى " حسبة " اخرى : كم يكلف اعداد ملعب لكرة الطائرة؟ تسوية الأرض، وهو ما يمكن ان يقوم به الشباب من النازحين، مجانا، او باجور رمزية، + شبكة + بضع كرات مناسبة لهذا الغرض. سنجد انها لن تكلف اكثر من 500 الف دينار، في ابعد احتمال.
ننتقل الى "حسبة " اكثر كلفة، اكثر تعقيدا : كم يكلف اعداد ملعب لكرة القدم بكل تجهيزاته البسيطة (ليس ضروريا ان يكون بالمقاييس الأولمبية)؟ نفترض، جدلا، (آه من " الجدل " مرة اخرى) انه سيكلف مليون دينار عداً ونقداً تقريباً (بين الأحباب يسقط الحساب... يا يسقط!) هذا اذا اسقطنا من الحساب " نشمية " ومروءة تجار الألعاب الرياضية، وما يمكن ان يتبرع به الأهالي او النوادي الرياضية واخيرا..وزارة الشباب والرياضة، التي استفاقت من الكثير من " اللغط " الذي يحيط ببعض " نشاطاتها " والذي نأمل ان يكون عاريا (بالمُلُك! مع ان الملك لله وحده)! عن الصحّة.
و لا يمكن استبعاد ضرورة تزويد المخيمات بملاعب للأطفال مما يتوفر في الحدائق العامة ويمكن توفيره بارخص تكلفة وتتبرع به الدول والمنظمات الدولية عن طيب خاطر.
لنفترض اننا نشرنا العشرات من هذه الملاعب المقترحة من حضرة جنابي بين مخيمات النازحين، فكم ستكلف، جميعا؟
بالأحرى كم ستوفر؟
يبدو هذا السؤال غريبا... انا ايضا حسبته كذلك حتى استعنت ب..." الجدل " (آه كبرى!) الذي يشرح كيف يمكن ان يتحول النقيض الى نقيضه ! اما كيف يتوحدان في مرتبة عليا فلذلك حديث آخر قد نعود اليه اذا سمح "اجتهادي " وصبركم...
لكن هذا يتطلب " حسبة اخرى (مع مراعاة التشكيل!) مختلفة تماما.
كم شابا ويافعا موجودا في كل مخيم؟ في كل مخيمات واماكن النزوح الأخرى؟
يتطلب هذا اجراء احصاء، ولو تقريبي، لكن لا يمكن الأستغناء عنه.
كم شابا ويافعا يمكن ان يتعرض للأنحراف بمختلف اشكاله (المخدرات، تعاطيا وتداولا، وربما تجارة فيما بعد) عصابات سرقة الخ... من اشكال الأنحراف، وقد يجمح الخيال الى ما هو ابعد واسوأ، اي توقع أنضمام منهم الى عصابات داعش! ما دامت توفر المال و" االلحم الحلال " (السبايا) دنيا وآخرة...و العديد من الدراسات لا تستبعد ان يتماهى الضحايا، خصوصا من المراهقين، مع الجلاد لما يمثله ويمنحه الجلاد من شعور بالقدرة الفائقة بينما يتآكل خصومه العجز والتخبط.
يتطلب الأمر اجراء احصاء آخر، يعتمد حسابات وجداول الأحتمالات، وهي متوفرة لدى الهيئات والمنظمات المختصة, الدولية، وفي الدول الأكثر تقدما.
سؤال آخر، لعله الأخير والأخطر : كم ستكلف المجتمع معالجة هذه الأنحرافات المتوقعة على الصعد الأمنية، الصحية،(المعالجة واعادة التأهيل) الأقتصادية (حرمان المجتمع من طاقات كان يمكن ان تساهم في إثرائه وتقدمه) فضلا عن الأجتماعية؟
و يمكن الأستطراد الى ما لا نهاية...
اذا طرحنا تكاليف الأهتمام بالرياضة في المخيمات من تكاليف مكافحة الأنحراف ،الآن ولاحقا، فايّة كفة سترجح ؟
لا يتطلب الأمر ان يكون المرء ضليعا بالرياضيات وحسبات الكلفة ليخرج بالنتيجة الصحيحة، يحتاج ان يكون على قدر من الشعور بالمسؤولية ازاء مأساة النازحين والنتائج الوخيمة التي يمكن ان تنجم عنها، الآن ولاحقا.
هنا "تتجادل " الرياضة بحسابات الكلفة، وهي تعتمد في جانب منها على الرياضيات العليا، لتتوحد على مستوى اعلى، مختلف : اعني العودة بأقل قدر ممكن من الخسائر،
اهتمت هذه الحلقات بمشكلة / مأساة النازحين من جوانب مختلفة، لا يمكن الزعم انها شاملة. ويتطلب الأمر، من الهيئات والمنظمات الأكثر خبرة ووعيا وشعورا بالمسؤولية،عقد ندوة اختصاصية، تضم متخصصين بعلوم الأجتماع، والنفس، وعلم نفس الأطفال والمراهقين خصوصا، الأقتصاد، التربية الخ... من الأختصاصات الضرورية، لدراسة مشاكل النزوح، والعواقب الناجمة عنها، الآن ولاحقا وخصوصا لاحقا، لن تنفع الخطب النارية ولا المقالات المتفجرة بالعواطف المجانية، لن تنفع حتى المساعدات الانسانية، على اهميتها. فالنازحون مراجل مشتعلة، وهذا من حقهم بحكم الهول الذي تعرضوا له ولا يزالون يعانونه، ويتفاقم، بسبب الأهمال وعدم الشعور بالمسؤولية، او بسبب عدم ادراك الخطورة البالغة التي تشكلها مشكلة / مأساة النازحين عليهم، وعلى العراق بعامة،الآن ولا حقا، ومرة اخرى، خصوصا لا حقا .
وما لم تتخذ التدابير، وتوضع الخطط للتعامل مع هذه المشكلة / المأساة، فأِن مراجل السخط والغضب التي تتصاعد يوما بعد يوم، ستبلغ،لا محالة، درجة الغليان... ثم الأَنفجار
حينها لن ينفع الندم،,,ولات حين مندم !