- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الثلاثاء, 20 تشرين1/أكتوير 2015 19:52
رشيد غويلب
منح بنك التنمية للبلدان الأمريكية جائزة النجاح هذا العام للأرجنتين ، باعتبارها اكثر بلد في القارة حقق تقدما في تقليص مديات الفقر. فمنذ أزمة سنتي 2001- 2002 يتعافى الإقتصاد الأرجنتي بخط تصاعدي. وقد تقلصت نسبة البطالة من 20 الى 7 في المائة، وانخفض معدل الفقر من 30 الى 16 في المائة. وتم تحقيق الأهداف الإنمائية للألفية في جميع المجالات. وهنا يكتسب الإقتصاد الأجتماعي -التضامني اهمية خاصة.
بدأ تاريخ الاقتصاد الاجتماعي - والتضامني في الأرجنتين في النصف الثاني من القرن التاسع عشر على يد المهاجرين الأوروبيين الذين فروا من تبعات الثورة الصناعية وملاحقة ضد العمال الاشتراكيين ، الى أمريكا الجنوبية، وجلبوا معهم ايضا أفكار التعاونيات والشركات ذات الطبيعة التبادلية الى البلاد. وامتزجت هذه التجارب مع تصورات السكان الأصليين (الهنود الحمر) في النشاط الاقتصادي، والقائمة على الشراكة والتضامن، مما ساعد على انتشارها بسرعة.
و يعمل في هذا القطاع اليوم 1.5 مليون مواطن، وفقا للبيانات الرسمية لوزارة التنمية الوطنية، التي تقوم بتنفيذ برامج مثل "الأرجنتين تعمل"، و "هن ينتجن" الخاص باشراك النساء في سوق العمل، بالإضافة الى التشجيع على تشكيل التعاونيات. وفي حين توظف الحكومة الأرجنتينية هذا النمط من الإقتصاد لتشغيل العاطلين عن العمل لفترات طويلة، يضع ممثلون آخرون للإقتصاد الإجتماعي التضامني اهدافا اكبر. وبهذا الصدد يقول باتريسيو غريفين، رئيس المعهد الأرجنتيني للدمج والاقتصاد الاجتماعي "نريد النقيض للمنطق الرأسمالي لتراكم الثروة على أساس استغلال العمال و البيئة. وهدفنا هو توزيع الثروة التي ينتجها العمال، وخلق شكل من الإنتاج والاستهلاك، يهدف إلى رفاه الإنسان والطبيعة".
ويوجد في الأرجنتين أكثر من 27 الف تعاونية، وأكثر من 5 آلاف شركة ذات طبيعة تبادلية ومجموعة متنوعة من المبادرات المدارة ذاتيا، والتي تنشط في جميع قطاعات الاقتصاد تقريبا. ويمثل هذا النمط من الإقتصاد 10 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي ، وما زال لا يشكل بديلا لإقتصاد السوق الراسمالي.
ومن الأمثلة على نجاح "الإقتصاد التضامني" ، تجربة التعاونيات التضامنية للكهرباء والبناء والخدمات العامة في سانتا روزا، عاصمة مقاطعة لا بامبا، التي تقع في وسط الأرجنتين.
وقد تأسست هذه التعاونيات في ثلاثينيات القرن الفائت، بمبادرة من سكان الأحياء، وشكلت ردا على أسعار الكهرباء المرتفعة جدا، التي كانت تفرضها شركة اتحاد امريكا الجنوبية العائدة للولايات المتحدة الأمريكية.
ولا تنشط هذه التعاونيات الآن في قطاع إنتاج الكهرباء والغاز فقط، بل توفر ايضا خدمات الهاتف والتلفزيون والإنترنت. وبالإضافة إلى ذلك، تمتلك مستوصفات ومراكز للعلاج الطبيعي، ومؤسسة لدفن الموتى، ومحلات لبيع الأجهزة المنزلية، وشركات تامين، ومكتبة، وصالة حفلات، وورش لسكان المنطقة.
بطريقة وباخرى تغطي التعاونية جميع نواحي حياة سكان منطة ساناروزا، البالغ عددهم 120 الف نسمة تقريبا. وليس في الأمر ما يثير الدهشة، اذا ما علمنا ان التعاونية تضم 77 الف عضو، يشاركون في الإجتماع السنوي العام ، ولهم الحق في المشاركة باتخاذ القرارات، ومعرفة تفاصيل ما تقوم التعاونية بانجازه. فهم في النهاية مالكو هذه الشركة.
وبالإضافة إلى المستوى العالي من الشفافية والمشاركة، تمتاز شركات الإقتصاد التضامني الإجتماعي ، بكونها توفر خدمات ومنتجات باسعار أرخص من الشركات التي تعمل وفقا لمبادئ الإقتصاد الرأسمالي. فهي لا تعمل من أجل مضاعفة الارباح، ويوزع الفائض المتحقق في نهاية العام على الأعضاء أو يوظف في الاستثمار، وحسب قرار جمعيتها العامة. وتحدد الاسعار على اساس القيمة الفعلية والعمل المبذول في الإنتاج أو في تقديم الخدمات المعينة. وبالتالي فإن كلفة خدمة الإنترنت في تعاونية سانتا روزا، على سبيل المثال، اقل بـ 60 في المائة، مما يطلبه مزودو خدمات الإنترنت الآخرون في المقاطعة.
وقد اصبح مطلب تعزيز الإقتصاد التضامني، او الإقتصاد الشعبي، احد مواضيع حملة الإنتخابات الرئاسية المقبلة في 25 تشرين الأول الحالي. فاحد مرشحي الرئاسة التزم في حال فوزه في الإنتخابات، بتأسيس وزارة للإقتصاد الشعبي، بعد ان كان هذا القطاع ضمن اعمال وزارة التنمية.
والجدير بالذكر ان تبني مرشحي الرئاسة للإقتصاد الإجتماعي، هو نتيجة لنضال العمال والحركات الإجتماعية، ونجاحات الإقتصاد التضامني في السنوات الأخيرة، وفقا لًما اكدته داريو فاركي مسؤولة العلاقات الأممية في اتحاد التعاونيات. واضافت: علينا عدم الإكتفاء بما تحقق، فالهدف هو ان يتحول الإقتصاد التضامني الى بديل للإقتصاد الرأسمالي، وعدم استخدامه كوسيلة لتقليص الفقر فقط
*عن صحيفة "نويزدويجلاند" الصادرة في برلين