- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأحد, 13 كانون1/ديسمبر 2015 10:00
طريق الشعب
مهند مخبر يعمل لحساب داعش، يسترق السمع على الأحاديث في أسواق الموصل ويبلغ التنظيم بمن يخالف قواعده.
قال صديق لأسرة مهند، إن التنظيم عذب بائعا أرشد عنه مهند هذا العام كما فرض غرامة عليه. كان أحد باعة الشوارع وأبلغ عنه مهند حين خالف حظرا على بيع السجائر. وأنذر مقاتلو داعش البائع بأن عقوبته القادمة ستكون القتل إن هو كرر فعلته
ويتقاضى مهند 20 دولارا عن كل مخالف للتعليمات يساعد في ضبطه. أما عمره فلم يتجاوز 14 عاما. وفقا لما جاء في تقرير مطول نشرته وكالة "رويترز"، والذي تنشره "طريق الشعب" بعد اختصاره واعادة تحرير بعض فقراته. ان مهند ليس سوى حلقة في شبكة مخابرات أسستها داعش منذ أن وضعت يدها على مساحات شاسعة من العراق وجارته سوريا. أما المخبرون فمنهم أطفال ومنهم مقاتلون أصقلتهم الحرب ومنهم ما بين هؤلاء وأولئك.
ويشرف على الشبكة ضباط سابقون في الجيش والمخابرات كثيرون منهم ساعدوا في بقاء صدام حسين وحزبه البعث في السلطة لسنوات.
كان الضباط الذين عملوا في عهد صدام عاملا قويا في صعود داعش وبخاصة فيما حققه التنظيم الارهابي من انتصارات في العراق العام الماضي. وفاقت داعش حزب البعث قوة واجتذبت آلافا من أنصاره. وانضم المجندون الجدد إلى صفوف ضباط صدام الذين يشغلون بالفعل مناصب مهمة في داعش.
البعثيون يعززون دور داعش
عكف البعثيون على تعزيز شبكات جمع المعلومات التابعة إلى التنظيم وعززوا من التكتيكات على ساحات المعارك وهم عنصر رئيس في بقاء "دولة الخلافة" التي أعلنها زعيم التنظيم وذلك وفقا لما ورد في مقابلات أجريت مع عشرات من بينهم قياديون سابقون في الحزب وضباط سابقون في المخابرات والجيش ودبلوماسيون غربيون و35 عراقيا فروا في الآونة الأخيرة من مناطق يسيطر عليها التنظيم إلى كردستان.
وقال هشام الهاشمي المحلل العسكري، في التقرير العراقي الذي عمل لدى حكومة العراق، إن من بين حقائب داعش الثلاث والعشرين يدير ضباط سابقون عملوا في نظام صدام ثلاثا من أهم الحقائب ألا وهي الأمن والجيش والمالية.
واكد مسؤول أمني كبير سابق في حزب البعث، بصمات الدولة العراقية القديمة واضحة في عملهم. ويمكنك أن تحسها.
تعاون الطرفين زواج مصالح من أوجه عديدة. فليس ثمة عامل مشترك يذكر يجمع بين معظم ضباط البعث السابقين وتنظيم داعش.
لكن الكثير من البعثيين السابقين الذين يعملون مع داعش تدفعهم رغبة في الحفاظ على النفس وكراهية مشتركة للحكومة في بغداد. وهناك آخرون مؤمنون بفكر التنظيم بعد أن سلكوا طريق التشدد في السنوات الأولى التي أعقبت الإطاحة بصدام وبعد أن آمنوا بذلك النهج في ساحات المعارك أو في السجون العسكرية الأمريكية أو السجون العراقية.
وقال قائد أمني سابق عمل في جهاز المخابرات العامة العراقي من عام 2003 إلى عام 2009 إن بعض البعثيين السابقين الذين أبعدتهم حكومة العراق عن أجهزة الدولة كانوا في منتهى السعادة لمجرد أنهم وجدوا مظلة جديدة تظلهم. وأضاف داعش تدفع لهم.
نقطة تحول في تكريت
بعد الإطاحة بصدام حسين عام 2003 بدأ سريعا بعض البعثيين في التعامل مع تنظيم القاعدة في العراق والذي كان البذرة التي انبثق عنها ما أصبح يعرف بتنظيم داعش. كان صدام قد أدار دولة بوليسية قمعية. وحل الاحتلال الأمريكي حزب البعث ومنع مسؤوليه من المستويات العليا بل والمتوسطة من العمل في الأجهزة الأمنية الجديدة. وغادر بعضهم البلاد وانضم بعضهم إلى التيار المناهض للولايات المتحدة.
وبحلول 2014 عاد البعثيون والمتشددون لعقد تحالف فيما بينهم. ومع اجتياح مقاتلي داعش اراض في العراق انضم إليهم جيش رجال الطريقة النقشبندية وهي جماعة تضم مقاتلين بعثيين.
يقول شيوخ عشائر وبعثيون وقائد أمني عراقي، إن معظم المقاتلين خلال المراحل الأولى من الحملة العسكرية في العام الماضي كانوا من رجال الطريقة النقشبندية ومن مجموعات أصغر من ضباط صدام. وقال مسؤولون عراقيون وعبد الصمد الغريري المسؤول الكبير في حزب البعث، إن رجال الطريقة النقشبندية هم الذين جمعوا سكان الموصل في الانتفاضة على بغداد وهم الذين خططوا وقادوا جانبا كبيرا من الزحف العسكري في العام الماضي.
واضاف الغريري ان داعش انتزعت الثورة منارغم ذلك، مضيفا "لم نستطع الصمود في المعركة.
في تكريت فتح مقاتلو داعش سجنا وحرروا ما يصل إلى 200 من أنصار التنظيم. وتدفق المزيد من مقاتلي داعش على المدينة منهم مسلحون بأسلحة آلية ثقيلة. وقال مسؤول أمني كبير في صلاح الدين إن هؤلاء أخذوا كل أسلحة الجيش ولم يعطوا رجال الطريقة النقشبندية شيئا.
وبعد قليل من سقوط تكريت في حزيران 2014 التقى زعماء فصائل التمرد الرئيسة في منزل أحد أعضاء حزب البعث. وقال المسؤول الأمني الكبير وشيوخ عشائر من تكريت ومسؤولون بعثيون إن داعش خيرت البعثيين: إما أن تنضموا إلينا وإما أن تنتحوا جانبا. وتخلى بعض البعثيين عن التمرد وبقي آخرون ليملأوا صفوف داعش الوسطى بذوي الخبرات الأمنية.
الجدران لها آذان
ترى إيما سكاي المستشارة السابقة في الجيش الأمريكي أن داعش ابتلعت البعثيين فعليا. وقالت الضباط ذوو الشوارب المنمقة أطلقوا لحاهم. أعتقد أن كثيرين أصبحوا ملتزمين دينيا فعلا.
وقال المسؤول الأمني البارز في صلاح الدين وعدد من شيوخ العشائر إن من أبرز البعثيين المنضمين إلى داعش أيمن السبعاوي ابن أخ صدام حسين ورعد حسن ابن عم صدام. وكلاهما كانا طفلين أيام صدام لكن الصلات الأسرية تحمل دلالة رمزية قوية.
ومن الضباط الكبار في داعش الآن وليد جاسم الذي يعرف أيضا باسم أبو أحمد العلواني وكان نقيبا في المخابرات في عهد صدام وكذلك فاضل الحيالي المعروف باسم أبو مسلم التركماني والذي يعتقد البعض أنه كان نائبا لأبو بكر البغدادي زعيم داعش إلى أن قتل في ضربة جوية هذا العام.
وتشرف الوكالة الأمنية للتنظيم على أجهزة الأمن والمخابرات في الموصل أكبر مدن شمالي العراق. وللوكالة ستة أفرع كل منها مسؤول عن الحفاظ على جانب من جوانب الأمن المختلفة.
وعلى رأس الوكالة الأمنية في العراق وسوريا ضابط مخابرات سابق من الفلوجة عمل في عهد صدام هو إياد حامد الجميلي الذي انضم إلى التنظيم الإرهابي بعد الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ويعمل الآن تحت أمرة البغدادي مباشرة وفقا لما ذكره المحلل العراقي هشام الهاشمي.
شبكة من المخبرين
يروي عدد من الفارين أن الوكالة الأمنية التابعة إلى داعش جمعت في أيلول نحو 400 من أفراد قوات الأمن العراقية السابقين وأعدمتهم. وتسلمت أسر من ألقيت جثثهم في الخفسة ورقة تفيد بتنفيذ الإعدام في ذويهم. ويصف شاب عمره 21 عاما من قرية تقع إلى الشرق من الموصل كيف أن جثة ابن عمه وصلتهم في ثاني أيام عيد الأضحى. قال أحضروها ملفوفة بملاءة وعليها ثلاث رصاصات.
وقال بعض الفارين لوكالة "رويترز"، إن الناس ممنوعون من مغادرة أراضي داعش. ومن يضبط وهو يحاول الهرب يكون مصيره الموت. وروى اثنان ما آل إليه مصير مجموعة من الرجال ضبطوا أثناء محاولتهم الرحيل في الآونة الأخيرة.فقد أمسكهم داعش وألقى جلادوه حاجزا خرسانيا فوق رؤوسهم. وصورت الواقعة وعرضت على شاشات ضخمة أقامها المتشددون في ساحات عامة.
ويقول الفارون إن داعش زرع نفسه في كل قرية تقريبا وحول بيوت ضباط الجيش العراقي السابقين إلى قواعد وأقام شبكة من المخبرين. وقد منع استخدام الهواتف المحمولة والإنترنت.
قال فتحي وهو شرطي سابق عمره 30 من قرية إلى الشرق من الموصل لديهم مخبر في كل منطقة يبلغهم أن فلانا وفلانا لم يذهبوا إلى الصلاة. وقال بعض الفارين إن محاولة هربهم امتدت شهورا حيث كانوا يتفادون نقاط تفتيش داعش وبخاصة تلك المزودة بأجهزة لابتوب يستخدمها المتشددون للاطلاع على أسماء على قاعدة بيانات. واختبأ بعضهم في مناطق أحراش على نهر دجلة.
تحت ضغط
من الصعب على بغداد إثناء البعثيين السابقين والضباط الذين عملوا في عهد صدام عن العمل مع داعش. بل إن الحكومة العراقية نفسها تكابد انقسامات داخلية في حين أن أطراف حزب البعث التي لم تنضم إلى داعش لا تستطيع أن تتفق على ما إن كانت تريد محادثات بل وعلى من يمثلها.