مدارات

فرنسا : التحول نحو اليمين في أجواء الخوف وانعدام الأمن

رشيد غويلب
في ظل جرائم الثالث عشر من تشرين الثاني الارهابية، واجواء الخوف والشعور بانعدام الأمن التي رافقتها، وحالة الطوارئ التي اعلنها الرئيس الفرنسي هولاند. انتهت جولة انتخابات المناطق الاولى في السادس من الشهر الحالي بتحول خطر نحو اليمين، وتقدم كبير حققه حزب "الجبهة القومية" اليميني المتطرف.
وعلى الرغم من عدم حصول اي من القوى المتنافسة على الأكثرية المطلقة في المناطق الثلاث عشرة بحدودها الادارية الجديدة، وهو ما ستحسمه نتائج الجولة الثانية التي ستجري يوم الاحد المقبل، الا ان "التحول نحو اليمين" اكثر من هائل. ومع ارتفاع نسبة المشاركة بالتصويت بمقدار 4 في المئة تقريبا، لكن حزب الممتنعين عن التصويت لا يزال الأقوى، اذ بلغت نسبته 49,9 في المئة. وهذا يعني ان نصف الناخبين الفرنسين مصابون بخيبة كبيرة بسبب الواقع الاجتماعي والظروف المعيشية التي تزداد سوءاً.
وفي تقييم أولي لنتائج الانتخابات، اكد السكرتير الوطني للحزب الشيوعي الفرنسي بيير لوران، ان النتائج تعكس " انذارا خطرا للقوى الاجتماعية والديمقراطية في البلاد"، و ان " وهناك خطرا حقيقيا من يحصل اليمين واليمين المتطرف الأحد المقبل على الغالبية العظمى، وربما في جميع المناطق الجديدة. ان ذلك سيكون كارثة ستدفع الغالبية العظمى من شعبنا ثمنها الباهظ ".وشدد لوران على أن الشيوعيين لن يستكينوا اتجاه "الكارثة السياسية"، التي حدثت. واصبح توحيد جميع الديمقراطيين واليساريين الذين لا يتقبلوا هذا "السيناريو القاتل"، أكثر ضرورة من أي وقت مضى. إن نتائج القوائم اليسارية " غير كافية للغاية"، ولكنها تعتبر "منطلقاً للمعارك المقبلة" من اجل هزيمة قوى اليمين و"الجبهة القومية".
وإن "مشروعا يساريا تضامنيا واخويا جديدا سيكون في بلادنا في المرحلة السياسية الجديدة، التي بدأت الآن"، والشيوعيون مصممون على اتخاذ جميع الآجراءات، مع جميع القوى المتاحة، وتبني المبادرات اللازمة كافة. وبخصوص جولة الانتخابات الثانية ، دعا الحزب الشيوعي الفرنسي إلى تجميع القوائم كلها التي يمكن ان تمنع وصول "الجبهة القومية" واليمين التقليدي إلى القمة في هذه المناطق.
ويبدو ان خطاب زعيمة "الجبهة القومية" ، مارين لوبان، القائم على تلطيف صورة حزبها من كراهية الحزب اليميني المتطرف العنصري، مع الابقاء في الواقع على جوهر الديماغوجية القومية المتطرفة وكراهية الأجانب العنصرية، قد نجح منذ سنوات، وخصوصا في وسائل الإعلام من نقل الحزب الى مواقع متقدمة ، وحقق في هذه الانتخابات اختراقا آخر على الصعيد الوطني، اذ حصل الحزب، لأول مرة تاريخه على 30 في المئة تقريبا ، مقابل 11,4 في المئة في انتخابات المناطق في 2010. وفي ما لا يقل عن ستة من المناطق الثلاث عشرة، متقدما على اليمين المحافظ بزعامة الرئيس السابق ساركوزي، الذي حل ثانيا، و"الحزب الاشتراكي الحاكم، الذي تراجع الى المرتبة الثالثة بعد ان كان يسيطر على جميع المناطق. وحقق حزب لوبان افضل نتائجه في منطقتين تقع الأولى في شمالي فرسا، والثانية في جنوبها الشرقي، حيث حصد اكثر من 40 في المئة.
وليس سهلا الإشارة بالأرقام الى النتائج التي حققتها القوى التي تقف على يسار الحزب الاشتراكي الحاكم والمتمثلة في الحزب الشيوعي الفرنسي وبقية قوى جبهة اليسار، وحزب الخضر، لاشتراك هذه القوى في قوائم متعددة، تنوعت تحالفاتها الانتخابية في اطار اليسار من منطقة الى اخرى، فضلا عن ان وزارة الداخلية الفرنسية لم تعط تفاصيل واضحة بهذا الخصوص، ولكن من الثابت ان نتائج هذه القوى بقيت دون التوقعات، وتراجعت بالمقارنة مع انتخابات 2010 . فقد حصل حزب الخضر على 6,5 في المئة، وجبهة اليسار على 4,5 في المئة، في حين ان حزب الخضر بمفرده حصل في انتخابات 2010 على 12,2 في المئة، وجبهة اليسار على 6-7 في المئة. وما لا شك فيه ان قوى اليسار لم تنجح، في أجواء الهستريا التي خلفتها الجرائم الإرهابية، ان تجعل قضاياها التقليدية الأساسية مثل مقاومة سياسة التقشف وهدم المكتسبات الاجتماعية، وحماية البيئة، والدفاع عن الحقوق الديمقراطية والحريات معايير حاسمة بالنسبة إلى الكثير من الناخبين.
ومن الخطأ حصر النتائج التي أفرزتها الانتخابات في تأثير اجواء الخوف والهلع من الإرهاب، على الرغم من الزخم الذي سببته هذه الجرائم لصالح القوى الفائزة، لان نمو "الجبهة القومية" وتقدم قوى اليمين التقليدي، كان واضحا قبل جرائم 13 تشرين الثاني. وهنا يمكن الإشارة إلى ابتعاد الناخبين عن الحزب الاشتراكي جراء عدم التزامه بوعوده الانتخابية خلال انتخابات الرئاسة في 2012، وحقيقة ان القوى التي تقف على يسار الحزب الحاكم لم تنجح في كسب ناخبي الحزب الاشتراكي المصابين بالخيبة الى جانبها، للنضال ضد السياسة المهيمنة.