مدارات

اسبانيا .. الانتخابات المبكرة تطرق الأبواب

رشيد غويلب
بعد أربعة أشهر من المحاولات الصعبة لتشكيل حكومة اسبانية جديدة، تقف البلاد على أبواب انتخابات برلمانية مبكرة. جاء ذلك في تصريح ادلى به مساء الثلاثاء الفائت المكلف بتشكيل الحكومة زعيم الحزب الاشتراكي بيدرو سانشيز، والذي اعلن فشل آخر محاولاته تأمين اكثرية برلمانية لحكومته المرتقبة. وابلغ سانشيز الملك فليب السادس بحصيلة جهودة، محملا زعيم حزب "بودوموس" بابلو اغليسياس مسؤولية فشله في التوصل إلى تحالف حاكم.
من جانب آخر طرح حزب "التسوية" اليساري في ولاية فالنسيا لديه اربعة مقاعد في البرلمان الأسباني، مقترحاً لتشكيل حكومة يسار الوسط بزعامة سانشيز وبمشاركة "بودوموس" وحزب اليسار الاسباني المتحد ومجاميع يسارية صغيرة اخرى، على ان تحظى بدعم في البرلمان من كتلة "حزب المواطنين" الليبرالي اليميني، ويهدف المقترح إلى تجاوز الذهاب إلى انتخابات مبكرة. ولكن الأخير لم يتعامل ايجابيا مع المقترح، كما اعتبر بودوموس المقترح قابلا للنقاش، ولكنه رفض المشاركة في حكومة اقلية بزعامة ساشيز، ولم يرفض الحزب الدخول في حوارات جديدة بهذا الشأن.
وكان زعيم الحزب الاشتراكي (وسط) بيدرو ساشيز قد فشل في اقناع حزب "بودوموس" (نحن قادرون)، بدعم تحالف الأشتراكين مع حزب "المواطنين" الليبرالي الجديد حديث التشكيل"، لتجاوز ازمة تشكيل الحكومة الجديد، والحصول على الأكثرية البرلمانية المطلوبة. حيث رفض 88,23 في المئة من المشاركين في الإستفتاء الحزبي الذي نظمه "بودوموس" دعم الحزب لتحالف يمين الوسط المرتقب، بدلا عن ذلك طالب المشاركون في الإستفتاء بتشكيل حكومة يسار الوسط "حكومة التغيير ، والا فان اسبانيا سائرة بثبات نحو انتخابات مبكرة في السادس والعشرين من حزيران المقبل.
ومنذ الانتخابات البرلمانية العامة في 20 كانون الأول 2015 ، تحولت عملية تشكيل الحكومة الى مشكلة عصية على الحل، بعد خسارة حزب الشعب اليميني الشعبوي الأكثرية التي كان يتمتع بها، ورفض جميع الأحزاب الممثلة في البرلمان الدخول معه في تحالف لتشكيل الحكومة الجديدة. ومنذ اعلان نتائج الإنتخابات يرأس راخوي حكومة تصريق اعمال.
من جانبها تركت قيادة حزب "بودوموس" القرار الحاسم الى قواعد الحزب، وفي الفترة 14 - 16 نيسان نظمت استفتاء حزبيا للاجابة على سؤالين الأول: هل توافق على دعم تحالف يمين الوسط في تشكيل الحكومة الجديدة؟ والسؤال الثاني: هل تتفق مع مقترح تشكيل حكومة يسار الوسط بمشاركة قوى اليسار؟ وقد اجابت الأكثرية بالرفض على السؤال الأول، ووافق 91,79 في المئة من المشاركين على الإقتراح الثاني.
وجاءت نتائج الإستقتاء متماشية مع توقعات قيادة الحزب. وعد الحزب الاشتراكي صيغ اسئلة الاستفتاء حيلة سياسية، في حين طالب "بودوموس" مرشح الحزب الإشتراكي الاستفادة من نتائج الاستفتاء، واستغلال الاسبوعين المتبقيين للتفاوض في شأن تشكيل "حكومة التغيير". وطالب بابلو اغناسيوس السكرتير العام لحزب "بودوموس" اليساري، في تغريدة له على التويتر، الحزب الاشتراكي بتنظيم استفتاء حزبي في شأن التحالف مع اليسار، مضيفا انه ناقش المقترح مع زعيم الحزب الأشتراكي المفاوضات التمهيدية التي جرت بين الحزبين، وبمشاركة القوى الأخرى، في الثاني والعشرين من كانون الثاني.
ان اقتراب الذهاب الى انتخابات مبكرة اشعل الحوارات مجددا بين حزبي اليسار الرئيسين "بودوموس" واليسار الأسباني المتحد، الذي يشكل الحزب الشيوعي الاسباني قوته الرئيسة. ومن بين الأصوات الداعية الى ضرورة تجميع القوى "ايدا كولا" عمدة برشلونة اليسارية، في حالة عدم التوصل الى "حكومة التغيير" وتم الذهاب الى انتخابات مبكرة، فان التحالف بين "بودوموس" واليسار الأسباني المتحد اصبح ضروريا: "هذا ليس سهلا، وعلى المرء أن يحترم مسار العمليات، ولكن اللحظة تتطلب منا أن نبذل قصارى الجهد لتجميع القوى".
المتحدث البرلماني باسم اليسار المتحد البرتو غارثون اعاد الى الاذهان موقف حزبه الثابت والداعي الى تحالف يساري على الصعيد الوطني، دون ان يتعارض ذلك مع التحالفات اليسارية الكاتالونية والغاليكية التي قامت خلال الإنتخابات الأخيرة. وطالب غارثون بـ "الأحترام المتبادل" بين القوى، واذا اصر بودوموس على "احتواء" قوى اليسار الأخرى فليس هناك حوارات ثنائية.
ومن الجدير بالذكر ان مراهنة "بودوموس" على كسب اصوات الوسط واليسار لحسابه، وعدم تعاونه الواسع مع اليسار المتحد، في الانتخابات السابقة في اطار رفضه التعامل مع الاحزاب التقليدية في معسكري الوسط واليسار، دفعه إلى رفض مقترح الحزب الشيوعي واليسار المتحد، تشكيل قائمة "الجبهة الشعبية الموحدة" في عموم اسبانيا، واكتفى بدعوة شخصيات قيادية في الحزب الشيوعي للمشاركة في قوائمه، او الدخول في قوائم مشتركة في بعض الولايات الأسبانية. وادى هذا الإصرار الى خسارة قوى اليسار الجذري، حسب المتابعين لحساب المقاعد، 16 مقعدا كان من الممكن ان تعزز الآن الموقف التفاوضي لبودوموس واليسار عموما. ولكن التطورات التي عاشتها البلاد اكدن صحة توجه اليسار المتحد وارتفع عدد المطالبين داخل "بودوموس" بتحقيق جبهة اليسار الإنتخابية.