مدارات

الحزب الشيوعي في البرازيل: انه يوم عارٍ وطنيّ!

رشيد غويلب
الرئيسة اليسارية لجمهورية البرازيل ديلما روسيف خسرت صباح الخميس الفائت التصويت في مجلس الشيوخ، اذ صوت لصالح عزلها المؤقت 55 عضواً في المجلس، مقابل 22 صوتوا لصالحها. وسيتولى نائبها مايكل ثامر مهام منصبها.
التهمة الموجهة لروسيف، لا علاقة لها بملفات الفساد، و تتخلص في القيام بمناقلات في أبواب الموازنة، من دون علم البرلمان، لغرض سد بعض الثغرات وتقليص العجز. وكانت الحكومات السابقة قد لجأت إلى نفس الأسلوب من دون ان تتعرض لمساءلة قانونية. وحدثت المناقلات خلال دورة روسيف الرئاسية الأولى، في حين ان الدستور البرازيلي لا يحاسب رئيس الجمهورية على ما يرتكبه من "جرائم بأثر رجعي.
وليس بخاف ان عمل المعارضة اليمينية على عزل روسيف والسعي إلى إحالتها الى القضاء يأتي في إطار هجوم واسع يشنه اليمين في أمريكا اللاتينية بدعم واسع من الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها لإسقاط حكومات اليسار في بلدان القارة. والانقلاب البرلماني الذي شهدته البرازيل هو الثالث من نوعه في أمريكا اللاتينية بعد انقلاب 2009 في الهندوراس، وانقلاب 2012 في الباراغواي. وتصل مدة عزل روسيف الى 180 يوما، يجري خلالها تقديم الرئيسة المعزولة الى القضاء، وفي حال عدم إدانتها، يتوجب على المعارضة توفير أكثرية الثلثين لعزلها نهائيا من رئاسة البلاد.
وبموجب القرار الصادر ستنتقل مهام الرئيسة مباشرة الى نائبها مايكل ثامر، الذي يتهمه ناخبو اليسار بالخيانة، لأنه انتقل من موقع الحليف لرئيسة الجمهورية الى موقع الساعين إلى الإطاحة بها. ويبلغ هذا السياسي من العمر 75 سنة وهو رئيس "حزب الحركة الديمقراطية البرازيلية" الليبرالي. ومعروف أن اليمين يدعم ثامر لإقالة روسيف، على الرغم من ان الأول يواجه تهم فساد ثقيلة، لا ترقى اليها التهمة التي تواجهها روسيف. ونفس الشيء ينطبق على رئيس البرلمان "ادواردو كونها"، الذي عزلته الاثنين الفائت المحكمة الإدارية العليا، لكي يتم التحقيق معه في ملفات فساد كبيرة. فيما يواجه نصف نواب اليمين تهماً قضائية بشأن ملفات فساد مختلفة. ويتبنى ثامر نهج تقليص البرامج الاجتماعية، وتقول استطلاعات الرأي ان 60 في المئة من البرازيليين يطالبون بإقالته.
انجازات وأخطاء
ارتباطاً بحالة الركود الاقتصادي التي دخلتها البرازيل تصاعد عدم الارتياح في أوساط واسعة من السكان، وانتهت بذلك سنوات الهدنة في البرازيل. وعلى الرغم من ان تحالف اليسار الذي يحكم البلاد منذ عام 2003 لم يطرح مسألة تجاوز النظام الرأسمالي، الا ان حكومة الرئيس السابق "لولا"، وبعده روسيف عززت سلطة المؤسسات، وتبنت توجهات اجتماعية واقتصادية تقدمية، وخلقت فرصا اكبر للتعليم، وتبنت برامج اجتماعية استفاد منها الملايين، وقلصت الفقر بنسب عالية. وفي السياسة الخارجية اعتمدت الحكومة توجهاً تقدميا ركز على الابتعاد عن دوائر تأثير الولايات المتحدة الأمريكية، وتعزيز التعاون مع حكومات وشعوب امريكا اللاتينية، وتنشيط دور البرازيل في اطار مجموعة "البريكس"، ودعم قضايا الشعوب العادلة، وخصوصا قضية الشعب الفلسطيني. ولكن جزءا من كادر الحزب الحاكم توافق مع قواعد النظام الرأسمالي، واعتمد إصلاحات فوقية خلقت حالة من التباعد بين حزب العمل والحركات الاجتماعية التي كانت مساهما رئيسا في إقامة سلطة اليسار.
موقف الحزب الشيوعي
في البرازيل
وفي تصريح لخوسيه رينالدو كارفالو، عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي في البرازيل ، المتحالف مع حزب العمل والشريك في حكومة رئيسة الجمهورية المعزولة، بعد اعلان نتائج التصويت، قال القيادي الشيوعي انه "يوم عار وطني"، فاضحا تواطؤ اليمين الفاسد الذي حقق ما لم يتمكن من تحقيقه عبر صناديق الاقتراع. وان المعارضة "حولت الدستور الى اداة للعنف ضد الدستور نفسه". وان المعارضة التي خسرت الانتخابات في اربع دورات متتالية، وظفت "قانون المسؤولية المالية" الذي فرضه صندوق النقد الدولي، بالتوافق مع واشنطن وحكومة الليبرالية الجديدة بزعامة الرئيس الاسبق فرناندو هنريك كاردوسو. ووصف خوسيه رينالدو كارفالو الحكومة الجديدة بغير الشرعية، وتوعدها بمعارضة شديدة، وانه سوف لن يكون هناك حوار معها ومع من دعمها. واعلن انتقال حزبه إلى المعارضة مطالبا بتنظيم استفتاء شعبي عام يقود الى الدخول في انتخابات مبكرة.
مقاومة متصاعدة
وتستمر في هذه الأثناء حركة احتجاجية مضادة لـ"الانقلاب البرلماني". وفي ليلة التصويت نظم العديد من التجمعات الاحتجاجية أمام مقر البرلمان البرازيلي. وقبل أن يبدأ التصويت تدفق الآلاف الى الشوارع لرفض عملية عزل روسيف. وقد قامت الشرطة باستخدام الغاز المسيل للدموع والهراوات ضد المحتجين. ويشارك في هذه التظاهرات، منذ تصاعد الأزمة، الى جانب جماهير أحزاب اليسار، منتسبو النقابات العمالية والحركات الاجتماعية.
وفي الأرجنتين التي تعيش غلياناً احتجاجياً ضد حكومة الرئيس اليميني الجديد، انطلقت تظاهرات للتضامن مع اليسار البرازيلي مؤكدة رفض "الانقلاب ضد الديمقراطية".