- التفاصيل
-
نشر بتاريخ الأربعاء, 29 حزيران/يونيو 2016 18:21
لفته عبد النبي الخزرجي
من منشورات مجلة الشرارة التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي / محلية النجف الاشرف ، صدر للكاتب عبد علي خليفة كتيب من الحجم الصغير ، يحتوي مجموعة مقالات ساخرة .. ولكن السخرية ليست من النوع السلبي .. فهي بلا شك سخرية هادفة ، ومواقف صارخة تنديدا وتفتيتا وتمزيقا لاتجاهات وأفكار وتموضعات واشتغالات ، تحتل مساحة الوطن المبتلى بآفة الفساد والمحاصصة والسياسة العرجاء وفوضى المصطلحات الوافدة من تخوم التخلف والضياع واللا جدوى .
حزام كاشية .. إطلالة موفقة على واقع مأزوم ، ونقد ساخر، وتوظيف معبر عن معاناة الإنسان ، وسخرية هادفة واستخدام رائع للسخرية "كوسيلة تعبير " وتوظيف ناجح للموروث الشعبي "بصوره ودلالاته التي يشكل المثل فيها الثقل الأكبر والأكثر تميزا في اللدغ السريع الجاذب للانتباه والنظر والفكر والسمع ." 1
عبد علي خليفة .. كاتب من طراز خاص ، تمتاز كتاباته بأسلوب معبر هدفه كشف الحقيقة المغطاة بسربال الزيف والتعمية والهرب نحو المجهول.
عبد علي خليفة ، ورغم انه لم يدع الريادة في التصدي الجاد لموضوعة السخرية الهادفة .. وتوظيفها مفردات وتعابير وأمثال شعبية ،وهو يدرك تماما أن عليه أن يكون في موقف التصدي والتحدي ، وأن السكوت عن هذا الواقع المرير ، او "التخلي أمام الضباع والوحوش ، عن سهمنا الوطني ليأخذ الضباع حقائقنا وأسماءنا " 2 . لذلك فان خليفة لا يبخل على الحقيقة بشيء يراه ضروريا في تبيان موقفه وإعلان ما يراه ، من دون لف او دوران ، لأن السكوت والتغافل عن الواقع المأزوم والفاسد والمتخلف والرديء "لا يعني انه مرحب به " وأن الرفض له حاسة مستنيرة ، لا يمكن ان يغتالها المفسدون والغارقون في الرذيلة .
مقالات عبد علي خليفة ، التي استقطبها الكتيب الصغير في حجمه الكبير في مادته وخطابه "حزام كاشية " ، لها جامع واحد يكاد يتقدم على اي اهتمام آخر .. هو أنها تستنطق لغة وخطابا ، تسودهما الشفافية ، بعيدا عن المحاباة والمجاملات ، التي تسم الواقع المتورم بقرحة الفساد ودمامله المكشوفة . ورغم ان الكاتب مقتنع " أن محاوراته نفخ في قربة مثقوبة " ، الا انه لا يستسلم لهذا الأمر ، لأنه قد اختار طريق المتاعب والمنغصات ، لان الحقيقة تختار رجالها . لذلك فهو لا يألو جهدا في كشف الزيف والتصدي لصانعي هذا الحال غير المرحب به .
في مقالته الأولى "يا حريمه (أثير ) أصبحت (زين ) ولم تتزين " ، يكشف عورات شركة "زين " وألاعيبها في استنزاف جيوب المواطنين المستخدمين خطوطها الهاتفية . أن خليفة في هذه المقالة ، يعبر عن رأي ومعاناة ملايين العراقيين المكتوين بنار الموبايل وشركات الهاتف المحمول .
أما مقالته المثيرة " إتشربكت والساتر الله " ، فقد أشار فيها إلى السجناء السياسيين الشيوعيين وغيرهم من اليساريين من ابناء الوطن الذين عاشوا محنة شباط الأسود وما تبعها من حكومات بعثية مغرقة في السواد والظلم والتهميش "قال من رزح تحت ثقل السنين في – منتجعات نقرة السلمان وغيرها – بسذاجة وطنية مفرطة في التفاؤل : (انا سجين سياسي وما انطبق على غيري سيشملني ، من راتب شهري وقطعة ارض وغيرها )، فجاءه الرد-لطمة معدلة - انت من سجناء 1963 و من غير المعقول ان تتمتعوا بنفس استحقاقاتنا !
في مقالته البديعة ، وكل مقالاته لا ينقصها الإبداع ، "حوارية عن التمرة واللاحوس " نراه يجري مقارنة بين التمرة العراقية التي تحافظ على نقاوتها وسلامتها وصلاحها في كل حين ، ولا تؤثر عليها الحيوانات السامة والظروف الطبيعية "تمرة ما يضرها اللاحوس " ، من جهة ، وبين الحزب الشيوعي العراقي الذي كان ولا يزال محافظا على نزاهته وإخلاصه ونقاوة سياسته وأفكاره ونظافة دربه ومسيرته . أما عن إنجازات مجلس النواب ، فقد كان خليفة حريصا على أن يوجه الى " نوابنا الأعزاء الذين جاءوا ثمرة حملات انتخابية منمقة متعوب ومصروف عليها ، أضاعنا في عالم من التمني والخيال لنقبل بطيبة خاطر "خرافة " أنهم سيحولون – الهور مرك والزور خواشيك ".
في اطار التعريف ب"نقابة إبليس " فهنا " والحق يقال أن هذه النقابة لم يفتر نشاطها يوما ، غير أنها في عصر –العولمة – نشطت باستثنائية لا مثيل لها وجاءت قيادتها تجسيدا لمن يدعو اولاده إلى الصلاة وهو لا يصلي " .
والبصرة ،هذه المدينة التي "اتخمت ولا زالت بأطنان عبارات الإشادة والمديح – الرسمي – على مبدأ – شيم المعيدي واخذ عباته – " لكن البصرة ما زالت تترنح تحت وطأة المياه المالحة والبطالة والفقر والحرمان وهي تطفو على بحيرة من ذهب اسود ، أو كما وصفها الكاتب "فلينة عائمة على بحر من النفط والغاز ". وعن شط العرب ، هذا الشط " المطعون في شرعية نسبه لافتقاره للعقد - الرسمي و الديني – لزواج أمه دجلة من الفرات وبحر الخليج في آن واحد ، فهو إذن لقيط – نغل – ومعالجته مما يعتريه تكرهه الحكومات وتلفظه معاشر الشطوط صحيحة النسب ، لذا فقد عوقب باستقبال كل أملاح أراضي وأنهار الجارة المسلمة والاستيعاب الأمثل لما تضخه – الخميسية – من قبح تفرزه مستنقعات محافظتنا الشقيقة الساعية الى زراعة أفضل ، واسماك أوفر ، وأهوار تصلح لسياح – شمات " . وهكذا فإن " البصرة أشبعوها بالمديح وحولوها الى مثانة "!! ".
حزام كاشية .. المقالة التي اخذ الكتيب اسمه منها .. حاول الكاتب من خلالها إجراء مقارنه او مقاربة كما يقول ، بين كاشية وحزامها المعقود طيلة النهار ، دون ان يكون هناك شيء تقدمه كاشية " وين القبض " من جهة ، وبين سياسيي الخط الأول والثاني ومن تبعهم ، والأحزمة المتشابهة لدى هؤلاء السياسيين ومن سار في دربهم ومن تبعهم وصفق لهم . ان السياسيين الماسكين الدفة ، والضاربين الدف بقوة ، ورغم مرور 13 سنة ، ولكن "وين القبض " ، وأن كاشية لم يكن لها ضرر من حزامها ، أما أحزمة ماسكي السلطة ، فما زالت تضخ المضرة بالجملة والمفرد ، "للقابل بجهل او حسن نية ، والرافض بعلم ووعي ، وحتى الساعي الى حزام لم ينله نتيجة قلة – البخت – إن أحزمتهم تعدت في ضررها حدود الضرر الذي تحدثه أحزمة الساعين الى الجنة بتفجير الناس " .
ولو عدنا إلى المقالات ، نتصفح العناوين التي احتواها كتيب "حزام كاشية " :
1) يا حريمة اثير اصبحت زين ولم تتزين .
2) إتشربكت والساتر الله .
3) ما بين الهامش والمهمش ، نحن بحاجة الى فتوى .
4) الى اتحاد الادباء :لا تستهجنوا زمن – فطيمة - .
5) المؤتمر الوطني وفصل معيلو .
6) حوارية عن التمرة واللاحوس .
7)إجماع شعب الواق واق على مصفحات نواب العراق .
glasses رمز تعبيري ام الطرمان تعرف لغط عيالها .
9) نقابة ابليس .
10) البصرة – اشبعوها بالمديح – وحولوها الى مثانة .
11) حزام كاشية .
12) تحية لمن قال : مثل هاي وبيها بسمار .
13)في 31 آب : صاح ايوب فصيحوا معه .
14) سياسيو المحاصصة مثل الإبرة تكسو الآخرين وهي عريانة .
15 ) دكتور دخل الله ودخلك لا تداوينا .
16) في يوم من أيام نقرة السلمان "استبدلوا مواجهتي - بحلاق - أيسر " .
17) الملفات الموعودة و- الدولمة - وما بينهما .
18)حال البصرة "كلها تريد منك محد انطاك " .
19) " هواي وعود وشوية اليصدكون " .
20) سؤال ملح " لماذا يصرف - ناكوط الحب – راتب المتقاعدين كل شهرين ؟؟
21) لغط المعنيين في شأن المتقاعدين .
22) هل المكروه للدار وارث ؟؟
23) تنويه انتخابي "للحية اسم ورسم " .
24) ما بين المصفى والانتخابات "استنكار تنقصه الحلاوة ".
25 ) الفساد والجراد .
26) غنائم المتسولين في موسم المرشحين !!!
27) اذا نذر المرشح السيد عيادة ،نذره له ولأولاده .
28 ) يا مالكي الصوت الانتخابي :إياكم الوقوع تحت طائلة " حيل وياك كل اللي جرى من ايدك ".
29) في انتخاباتنا "فرهود الأصوات حلال " .
إن عبد علي خليفة ابن البصرة وشط العرب والنخيل والعشار ، يمتاز قلمه بقدرة فائقة على رسم ابتسامة حزينة على وجوه القراء ، لأنه يمتلك الحواس السبع ، مما أضفى على مقالاته ربيعا عراقيا بصريا ، وكان بحق لسانا ناطقا ومعبرا عن الهم الإنساني في إطار بصرة العطاء التي تحمل الذهب وتأكل العاكول . تحية من الأعماق لهذا البصري الرائع الذي ينضح مفردات وأمثالا وتعابير تخز كالإبر .