كي نحسن اختيار الحلول يجب فهم المبررات.
يجري الكلام في تشكيلة الحكومة القادمة عن الترشيق ولم نسمع بمبرر غيره.
الترشيق المؤسساتي قضية اقتصادية وادارية.
انا اجرأ ان اقول ان دمج الوزارات في الكابينة الحكومية الجديدة قرار سياسي، لعدم وجود أية دراسه جدوى اقتصادية او ادارية تبرر ذلك. فاقتصاديا هو لن يوفر غير رواتب بعدد الاصابع لبعض الاداريين الكبار يزاح منهم وزير يستلم حصته من مواقع اخرى هو وكلائه. اما المبرر السياسي وهو الاكثر رجوحا فيكمن في تقليص scaling down المحاصصة وبذا يخف الضغط واللغط والخلاف والصداع في مجلس وزراء متضخم، سماته السابقة عدم الاتفاق. هذا اولا.
وثانيا قد يؤدي الدمج "Merger"، وهو من خضم علم الادارة الحديثة " change management " وادواته في اعادة بناء مؤسسي كفوء يمول ويدير نفسه، الى "damage" و هو تهديم بحت خصوصا اذا جاء الدمج للوزارتين ارتجاليا وغير مسبوق بدراسة. فأين هي (وهل ستكون هناك) دراسة متخصصين في "تغيير الادارة" لدمج الوزارتين؟ الدمج هو اجراء ان كان لابد منه فهو يتطلب الوقت والدراسة.
كل مخضرمي وزارة النفط يعلمون جيدا اضرار الهدم التي ادتها ارتجالية النظام السابق بدمج اجري في الوزارة كان في الحقيقة تفكيكا لشركات واقسام كانت تعمل بنظام اداري بريطاني المنشأ أسسته شركة BP بعد قرار تأميم النفط و يتندرون به حتى اليوم، انه ادى الى "دمج" بمعناه الافرنجي " damage" لسنوات حتى استقر واعاد عافيته.
رأي د. محمد الربيعي وارد جدا ولكنه يركز على جانب مهم في الدمج هو الاستقلالية في التعليم العالي ولا يشير الى جوانب ادارية واقتصادية لا مجال للخوض فيها هنا وهي ليست من اختصاصنا ولكن بعضنا قد مر بها بمؤسسته ولو على شكل مصغر في شركته ، في ادارة قسمه، معهده او جامعته ان مرت المؤسسة التي عمل بها بدمج جزئي او شامل.
و حتى ان كان ما مارسناه على مستوى دمج برامجي فقط وهذا ما يحدث باستمرار في الجامعات الرصينة لتطوير برامجها الدراسية والبحثية فان ذلك يتطلب وقتا كافيا للتغيير وعقولا تعمل منسجمة تعمل بمبدأ تقوية البرنامج وتطويره وبضمنه من ينفذه ليدار بشبه استقلالية بكادر اقل واكثر كفاءة.
ترشيق الوزارت التعليمية الثقافية والعلمية وربطها بعمود اداري واحد في قمته وزير لتحسين الاداء، السياسة و الخدمات، اذا كان مدروسا ، سيؤدي اهدافه ويعطي زخما لتنمية عراق اقتصادي بالمعرفة الجديدة.
ولنا امثلة في محيطنا وخارجه قد تنبع من الضرورة وهي ام الاختراع وليست ام الدمج او الفصل كمثل الكويت ومصر الذي يشير لهما د. الربيعي في طرحه . هناك امثلة ناجحة عن دمج لوزارات تستحق منا التمعن تروق بعمق اهدافها ما ينعكس على هيكلتها و حجمها كما في المثل الهولندي. اريد ان اشير هنا فقط الى نقطتين اساسيتين: الاولي انها وزاره تنضوي تحتها اربعة تشكيلات كل منها عندنا في العراق يمثل كياناً وزارياً منفصلاً: التعليم الاولي والعالي، الثقافة والتحرر emancipation والاخير هو ايضا ثقافة لها شروط مجتمعية وحاجة لتحقيقها على?الدولة الليبرالية ذات الحريات الفردية الواسعة ضمانها و تحقيقها كجزء مهم من اركان سياستها. والشيء الثاني الذي يميز اداء هذه الوزارة الجامعة هو هدفها السامي وهو بتعبير وزيرهم " لنعمل لتكوين هولندا الاذكياء والقادرين والمبدعين ممن يعمل بالثقافة والفن والتعليم والبحث العلمي ليقوم كل منهم باستقلالية بعمله" وهذا الاخير يعنى به استقلالية الفرد اولا والمؤسسة ثانية هو ما كرره د. الربيعي: الاستقلالية ولو انه ركز على استقلالية المؤسسة العلمية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
*استاذ في جامعة توينته الهندسية هولندا