المنبرالحر

وجهة نظر بشأن الوثيقة التحضيرية للمؤتمر الوطني العاشر للحزب الشيوعي العراقي (الجزء الثاني) / القاضي علي الحميدي

المحاصصة بيت الداء
ايماني بنخبنا الوطنية الواعية ايمان لا ينضب وليس له حدود وان كنت لا اكتم الجميع أنني وفي مسألة اختيار الاوليات، لي رأي متعارض مع كل ما هو مطروح الآن على عموم الساحة، اي ان شكوكي تنصب على المنهج المتعلق بالاولويات فقط، لانني ارى فيمن يعاني التهابا مؤلما في (البواسير) فليس عليه الذهاب الى طبيب الاسنان متصورا ان التهاب اللثة مؤلم كالتهاب البواسير. وطبيب الآلام واحد، صحيح ان نظام المحاصصة هو نظام سبب لنا الآلام وخلق الازمات لكن بيت الداء كامن في مكان آخر. المحاصصة ليست السبب، فالمحاصصة نتيجة لإلغاء مفهوم الدولة وظهور المكون بدلا من وجود مفهوم الوطن والوطنية هنا هي المشكلة ولب الموضوع الذي ارى ان يتركز عليه الجهد المبذول والا تضيع كل الجهود هباء ونكون كمن يحرث البحر، ليست المشكلة فيما نريد وانما في كيفية الوصول الى ما نريد.
العودة الى دولة المواطن لا الى كتلة المكون او حزبه السياسي لانني وبكل صراحة لو كنت كرديا لا اقبل ان يحكمني العربي بصفته عربيا لا عراقيا ولو كنت سنيا لا اوافق ان يحكمني شيعي عربي او كردي باسم العراق. فلا مشكلة ابدا اي لو شكلت احزاب جديدة عراقية وطنية عابرة للطوائف وليس عابرة للحدود وفاز من فاز في الانتخابات فحقه المشروع ان يحكم ولا مشكلة في مشروعية التمثيل للشعب. اما احزاب الامر الواقع فكل منها فاقد للشرعية ولهذا نرى العراق اليوم في هرج ومرج بين المحنة والفتنة وما من مخرج الا بالعودة الى دولة الوطن والمواطن.
العودة الى الدولة الوطنية
اما بخصوص ما جاء في الفقرة 261 المنضوية تحت عنوان (من اجل قانون عادل للانتخابات)، وهذا امر لا يجانب الصواب ومطلوب لاننا فعلا بحاجة الى تشريع قانون انتخابات عادل والى مفوضية انتخابات نزيهة ومهنية ومستقلة قولا وفعلاً. لكن هذا المطلب المشروع ومن دون العودة الى الدولة امر عسير المنال ان لم نقل اكثر من ذلك ومعنى هذا بكل صراحة ليس من باب التشاؤم وانما من خلال قراءة الواقع بموضوعية، ان لا امل ابدا يرتجى ليس فقط فيما يتعلق بالصعوبات التي تحول دون تشريع قانون عادل كهذا، وانما تحت اي ظرف من الظروف اذ لا جدوى من تفعيل نصوصه في ظل سطوة اصحاب السطوة والنفوذ المتحصنين في قلاع اللادولة والمتسلحين باسلحة الدمار الشامل واعني اسلحة الدفاع عن المكون كل من داخل قلعته، وكل ما يمكن ان نأمله هو فقط عمليات الهاء وتقطيع للقوت واستيعاب اي هجوم للاستعداد للهجوم المقابل مثل تغير الوجوه على غرار تغيير شخص رئيس الوزراء بآخر امتصاصا للغضب الجماهيري ولكن ليس لاستيعاب الدرس لان لديهم دروسهم التي يدرسونها للشعب، وبما انهم يمتلكون اساليب المراوغة والخداع اضافة الى مراكز القوة فهم بالتالي من يلقنون الشعب الدرس الذي يريدون. ومثل تغييرهم الكابينة الوزارية وكما يشتهون ويشاؤون مرة اخرى، وهذا ليس تشاؤما ولا دعوة الى الاحباط، بل قراءة موضوعية الغرض منها شحذ الهمم والتحذير من ابتلاع الطعم.
ولان المطلوب اولا وثانيا وثالثا والى ما لا نهاية هو العودة الى الدولة الوطنية واليقظة التامة من خطر الوقوع في المطبات مثل مطبات ربيع هذا العام التي ما زالت تفاعلاتها وتداعياتها تترى من دون جدوى ومن دون الوصول الى مخرج. اما بشأن المفوضية فلا يؤمل اكثر من تبديل وجه بآخر من ذات الطينة لان المفوضية المفصلة على المقاسات المعدة لها سلفاً لا يمكن لها من حيث المال المنبثق من واقع الحال الا ان تكون واجهة عمومية لعموم اخوال واعمام المكونات كل له مقامه حسب قدرته ومقدارها، واذا ما حصل تغيير في الوجوه فهو لا يتعدى ذلك الى التوجهات المرتجاة، وثمة ملاحظة لا بد منها وتتعلق بصيغة شعار الاصلاح والتغيير فاذا كان المقصود منه اصلاح العملية السياسية من داخلها فوجود كلمة التغيير نشاز يحدث اضطرابا في المفاهيم والصحيح في رأينا وهو ما ندعو اليه دائما ان تكون الصيغة هكذا: (التغيير من اجل الاصلاح)، اذ لا اصلاح ضمن سلطة الامر الواقع ومن داخلها دون ان يعني هذا التخلي عن الحراك السلمي اذ لا سبيل الى التغيير المطلوب الا سلميا ومن خلال العودة الى الدولة.
الدولة المدنية الديمقراطية
قد تمت الاشارة الى هذا المطلب المشروع الذي نؤمن به على النطاق الشخصي ونتشارك فيه مع طيف واسع من ذوي النوايا الحسنة من ابناء شعبنا التواقين الى التقدم والانعتاق مما نحن فيه والاشارة الى هذه الدولة المنشودة حصلت (من فقرة 145 الى الفقرة 152) من الوثيقة الاولية (المسودة) وكل ما جاء في هذه الفقرات يمثل طموح جميع ذوي النوايا الحسنة من اصحاب المصلحة الحقيقية في التغيير المطلوب لان الدولة المدنية الديمقراطية هي البديل الاصلح لما هو سائد لانها وقبل كل شيء توفر البنية الصالحة لكل جهد صادق وبحكم طبيعتها ايضا تتحقق دولة توحد ولا تفرق ولا تفرط. وتمنح الفرص لبناء المجتمع وبمقدورها ان تعيد اللحمة الى النسيج المكوناتي لكافة اطيافها لان العراق بتنوعه يزهو مثلما بوحدته الاجتماعية يزدهر وعندما تتحقق الامكانات القادرة على اغلاق بوابات الفرقة وتحطيم معاول التهديم والبعثرة والتفتيت عندها تتحول مزارع الاشواك وحقول الحنظل الى حدائق ويتنفس الناس الهواء النقي بدلا من دخان المفخخات وروائح الاشلاء المحترقة. صدقوني هذا ليس شعراً هذا ما اؤمن به حد اليقين لا بل هو عين اليقين لان شعبنا شعب خلاق متى ما منحت له الفرصة الحقيقية لا يكون الا شعب الابداع الحقيقي ومعنى ذلك ان لا خلافا شخصيا حول شكل ونوع الدولة المنشودة الا ان السؤال يكمن في كيفية الوصول الى هذا الهدف المطلوب هل يكون بأسلوب الاحتجاجات المعهودة وبالحراك الشعبي المعروف ذاته ؟ مع ان التجربة اثبتت على الاقل حتى الآن ان لا امل يرتجى، وقد يقول قائل تبا لليأس وعلينا ان لا نتوقف والحكمة الشعبية النضالية تقول ان فاتنا اليوم نصر ففي غدا لن يفوتا. والمهم مواصلة المسيرة على النهج ذاته ، وفي الاخير لا يصح الى الصحيح. الا ان الصحيح في راينا (لا توجد دولة) وما يتركز عليه الحراك والضغط من اجل اعادة الدولة الساقطة. وعدا ذلك فلا مجال للحديث عن مدنية الدولة غير الموجودة وهذا في رأينا يعني ان نظام اللا دولة، ويمكن تسميته (نظام التشرذم والتفرقة) لا يمكن مطالبته بان لا يكون نظام محاصصة او يكون نظاما بمقدوره معالجة آفة الفساد او اجتثاث ما نجم عنها من آفات لان ذلك ناتج من طبيعته وليس مفروضا عليه او متأتيا من خارجه وهذا يقود الى ان تنصب الجهود كل الجهود على المطالبة بالتغيير السلمي اللا عنفي مع الاخذ بالاعتبار ايجاد منهاج عمل وطني لا يعتمد الشعارات فقط، بل يحتاج الى خارطة طريق واضحة المعالم ومتفق عليها والوثيقة الاولية – المسودة – بادرة تستحق الاهتمام في هذا الخصوص وفي رأينا المتواضع نجد أن من المناسب ان يبدأ الاصلاح بالتغيير بواسطة التشريع كخطوة اولى من دون ان ننسى باقي الامور الملحة والتشريعات الضرورية المطلوبة وبالحاح وهي الغاء المادة الدستورية (3) من الدستور النافذ ويستعاض عنها بنص مناسب كأن يكون شبيها بنص المادة الثالثة من دستور ثورة 14 تموز 1958 (العرب والاكراد شركاء في الوطن) هذا على الاقل في الوقت الحالي من اجل اجتياز المحنة والازمة الطاحنة على ان يتزامن ذلك مع تشريع آخر لقانون احزاب يحرم التفرقة باسم الدين او الطائفة او العنصر. تقول لي ان هذا امر صعب التحقيق في ظل تحكم مراكز القوى النافذة اقول لك نعم، ولكن ما يجعله ممكنا امران: اولا فشل نظام التفرقة على مدى اكثر من ثلاثة عشر عاما في ايجاد صيغة يمكن الدفاع عنها. وثانيا وبما انه نظام قائم على التفرقة فهو نظام منخور من داخله وفاقد للتوازن لهذا نجد ارباب الكتل فيه يتقاتلون من حول المداخل وفي الداخل لتلك الكتل فهو نظام سمته العامة الاضطراب وقائم على الاحتراب. اما القوى الوطنية المطالبة بالاصلاح والتغيير فهي ان احسنت التدبير وهي مؤهلة لذلك من دون ادنى شك وهي قادرة على ان تخلق وحدة جماهير موحدة على اهداف مشتركة منتجة تتجسد في شعارات تطالب بالإصلاح ليس بمعناه العام الفضفاض بل بمعناه العيني المحدد المعالم وفق منظومة عمل ممنهج تعتمد الاصرار المعهود وهو الآن مشهود بتواصل الجمهور في الساحات دون كلل او ملل. وما دام الحديث يجري عن الدولة اود ان اشير الى ملاحظة غاية في الاهمية تتعلق بموضوع مدنية الدولة في مقابل دولة – دينية – وبالنسبة للعراق وكثير من الدول العربية اذ لا وجود لفرز حاد كهذا الا في اذهان اولئك المتاجرين بالدين والمعتمدين الخداع والتضليل ووسائل اصطياد المغفلين عن طريق التهريج والتجييش والتهييج للوثوب على السلطة ليس الا، وعليه لا بد من التركيز على ثلاثة محاور لكشف المستور وباختصار:
المحور الاول: سنلقي الضوء فيه على خلفية شعار (لا حكم الا لله عبر التاريخ ). هذا الشعار سيئ الصيت ما استخدم يوما الا واستخدم ضد قيم الدين وللغرض الدنيء.
الثاني: لا وجود عندنا منذ تأسيس الدولة العراقية حتى سقوطها عام 2003 لدولة لا دينية او مدنية صرفة او علمانية، فالإسلام متغلغل دائما مع الحداثة اللا متعارضة مع الدين.
الثالث: يعتمد كشف المستور من خلال تحديد المقصود بمصطلح الشريعة الاسلامية.
المحور الاول: الاستخدام الذرائعي للدين من وقت مبكر جدا استخدم الدين استخداماً ذرائعياً عند الطامعين في السلطة من اوائل المسلمين وما رفع المصاحف في صفين الا صورة نمطية اصبحت متكررة عبر التاريخ لكل طامع في السلطة ويستخدم الدين ومشاعر المؤمنين الصادقين مطية لكل نشاط سياسي او غرض مشبوه باعتماد الخداع حتى ان هذه العملية دخلت التاريخ تحت اسم (خديعة رفع المصاحف). حقا يا له من وصف رائع يصور لنا حقيقة كل المتاجرين باستخدام الدين للوثوب على السلطة حتى بأخس الاساليب واكثرها مكرا ودناءة وحتى لو تطلب الامر ان تكون الخديعة تتم باقدس كتاب عند المسلمين هو كتاب الله- القرآن الكريم – هكذا دائما وعبر التاريخ يستحضر الدين للخديعة والغرض الكامن هو الطمع في السطوة والسلطان ولم يقتصر الامر على معاوية بن ابي سفيان وحسب، بل انتقلت العدوى الى القراء في جيش الامام علي (ع)، وتبعتهم الآلاف المؤلفة من شيعة علي وانصاره وخلعوا بيعته ورفعوا شعارهم سيئ الصيت الذي رددت جدران الكوفة وازقتها صداه قبل ان تردده جنبات التاريخ على لسان كل ممتط الدين مطية من كل طامع ومخادع الا وهو شعار (لا حكم الا لله) الذي ما زال يتردد صداه حتى هذه الالفية الثالثة وهو شعار تم بموجبه تكفير الامام علي وما زال هو الشعار الذهبي عند كل التكفيريين. والتكفير ولد في الحجاز وفي المدينة المنورة بالذات وكان بصيغة (اقتلوا نعثل انه كفر) ونعثل هو عند مكفريه اسمه (ذو النورين) وهو الخليفة الثالث عثمان بن عفان، قتل وهو محاصر ومعتصم بقراءة القرآن الكريم حتى ان قطرات من دمه لوثت بعض سطور احدى السور كما تقول الاخبار، والخليفة الرابع علي بن ابي طالب قتله مكفروه وهو يصلي في المحراب من دون حرمة حتى لقدسية الصلاة وقداسة المحراب ومنذ ذلك العصر استمرت لعبة تسييس الدين بمثل هذه القذارة او الخديعة وبشعار لا حكم الا لله، هذا الشعار الذرائعي البراق وما هو الا برقع يتبرقع به الذرائعيون الخداعون من كل حدب وصوب ومن وقتها اقترن التسييس المغشوش بهذا الشعار وبالتكفير للآخر حتى اصبحت الخديعة ومعها التكفير وجهان لقضية واحدة وحتى استحالت هذه القضية الى بؤرة للنزاع والصراع على امتداد التاريخ الطويل، كما ان هذا الصراع من حول هذه القضية لم يتوقف عند حدود خسة الخديعة والتكفير والاستخدام الذرائعي المغشوش للدين وعند حدود الجدل الفكري والحجاج النظري وحسب، وانما كان التعطش الى السلطة عند المتسلطين باسم الدين لا يقل عن تعطشهم الى سفك الدماء من اجل الوصول الى السلطة والتسلط على رقاب الناس، بل كان هذا التعطش المزدوج اولى القضايا واهم القضايا التي جرد المسلمون سيوفهم كي تحسم خلافاتهم فيها او من حولها وهي كلها تتمحور حول محور حق السلطة وليس من اجل سلطة الحق، حتى يصح لنا ان نقول ان هذه السيوف في الماضي وهذه المفخخات والمسدسات الكاتمة للصوت لم تسل ولم تستخدم في قضية من القضايا العادلة مثلما سلت وجردت وفجرت المفخخات او ضغط على الزناد فيها وفي صراعات المسلمين في الماضي والحاضر الا من اجل الوهم الخادع والاستخدام اللا مشروع من اجل مشروع السلطة المغري وامام بريق السلطة تعمى البصائر والبصيرة ودونك هذا التاريخ الدموي الطويل وانظر فهو يغنيك عن الخوض في باقي التفاصيل حول شكل السلطة التي يبغون او التي اليها دعوا وما زالوا يدعون ومنهم من جرب حظه فيها وفشل في العصر الراهن كما هو الحال في مصر الكنانة ومنهم وباسم الدين يمارس سلطة القمع والقهر ودائماً ضمن نطاق حق السلطة وبعيدا عن سلطة الحق والغاية في النهاية هي محاصرتك ايها المواطن النبيل لانك ان لم تؤمن براعي القطيع رموك بالكفر والعلمانية وانك من دعاة الدولة المدنية وقالوا لك ان كانت الديمقراطية تعني حكم الشعب فذلك كفر والحاد ومن لا يحكم بما انزل الله فأولئك هم الكافرون.
اخي المواطن لا يضيرك هذا التهويل فهم يؤلون الكلام ويحرفونه عن مواضعه وهم من قبلك ومن اجل السلطة والتسلط قد كفروا امام المتقين وقضى نحبه شهيدا في المحراب وهو يصلي فلا وزن لما يقولون ولا صدق فيما يدعون اليه فهم خدام السلطة وعبيد لشهوة الحكم ولا يصح فيهم الا قوله (فقد خاب من افترى).
وفي جميع الاحوال اطمئنك عزيزي المحتار فلا دولة خالفت حكم الله في تشريعات في العراق منذ سقوط الخلافة الاسلامية العثمانية المتمذهبة المتلحفة بلحاف الخلافة والمتسلطة على رقاب المؤمنين وغير المؤمنين زورراً باسم الدين. اقول منذ ذلك الحين حتى سقوط الدولة العراقية الحديثة عام 2003، ما كانت الدولة في العراق الحديث دولة لا دينية، نعم حكم فيها طغاة ودكتاتوريون لكنها دولة لم تتمرد على الدين فهي وان لم تكن دولة يحكمها المتاجرون باسم الدين فهي دولة لا يصح التحريض ضدها واتهاماتها بانها دولة لا دينية، هذا ما نحاول التعريف به في المحور التالي.