عقد في الفترة 26 - 31 تموز الفائت في العاصمة الفنزويلية كاركاس المؤتمر الثالث للحزب الاشتراكي المتحد، الذي يقود التحالف اليساري الحاكم في البلاد. وقد ركز المؤتمر على تحديد مسار التطور المستقبلي للحزب، ولحكومة الرئيس نيكولاس مادورو. و المؤتمر هو الأول من نوعه بعد وفاة الزعيم الفنزويلي هوغو شافيز في الخامس من آذار 2013.
ومن هنا تأتي أهمية المؤتمر في إضفاء الشرعية على قيادة الحزب والحكومة، وتحديد مسارها الاقتصادي.
ويعد الحزب الاشتراكي المتحد، الذي تأسس في عام 2008 باتحاد عدد من الأحزاب والمنظمات اليسارية، من اكبر الأحزاب السياسية في العالم، إذ يبلغ عدد المنتمين إليه 7.5 مليون، ويقدر المتابعون عدد الناشطين الفعليين فيه بـ 1.5 مليون. وشارك في أعمال المؤتمر، الذي عقد على قاعة احد المسارح الكبيرة في العاصمة، 900 مندوب، جاء 537 منهم من المنظمات المحلية والقاعدية، قدموا 20 الف مقترح، ولهذا دار نقاش حيوي على أهمية تعميق ديمقراطية القاعدة، والديمقراطية المباشرة في الحزب والمجتمع، وأكد الرئيس مادورو، الذي انتخب رئيسا للحزب في أول أيام المؤتمر، عن دعمه لهذا التوجه.
وفي بداية أعماله دان المؤتمر العدوان الإسرائيلي الجاري على قطاع غزة. وقرأ محافظ ولاية آراغو، وعضو قيادة الحزب طارق العصامي بيانا تضمن استنكار وإدانة واضحة للعدوان، واصفا إياه بـ"حرب إبادة جماعية ضد شعبنا الشقيق في فلسطين".
وفي الكلمة التي افتتح بها الرئيس أعمال المؤتمر حفز مادورا المندوبين الى " مناقشة حرة وبناءة " لتطوير النظام السياسي في البلاد، ودعا الى "الإخلاص والانضباط العاليين" للدفاع عن الحكومة الاشتراكية. وحذر مادورا،الذي تعرض لانتقادات لطريقة إدارته للبلاد، في الوقت نفسه المندوبين بالقول: "ليس هناك وقت للعب بالقضايا المصيرية، لان ذلك سيكون بمثابة قوة مدمرة".
وبخصوص المسار المستقبلي للحزب طرح مادورا أهمية تعميق مشروع الثورة. وأكد على ضرورة وضوح المشروع الاشتراكي، وان الابتعاد عن مشاريع وقيم اليمين، ستتيح للحزب لعب دور طليعي في تشكيل " قيم القرن 21 ". ويرى مادورا ضرورة أن "يكون الحزب ماكنة ثورية، وعقل جماعي في الوقت ذاته".
نائب رئيس الجمهورية عبر عن قناعته باستطاعة المؤتمر الإسهام في تعميق البرنامج الحكومي المعروف بـ "مشروع سيمون بوليفار- خطة الوطن"، الذي وضعه الرئيس الراحل شافيز، ويحدد المشروع أهداف الحكومة الرئيسة بالشكل التالي: الدفاع عن السيادة الوطنية، والتوسع في "الاشتراكية البوليفارية للقرن 21"، وتنمية النظام الاجتماعي في البلاد، ودعم سياسة عالمية متعددة الأقطاب، والمساهمة في حل المشاكل العالمية.
اتخذ المؤتمر 32 قرارا، تعالج أكثريتها المشاكل الاقتصادية المتأتية من كون الاقتصاد الفنزويلي، وبعد 15 عاما من التغيير، ما يزال اقتصاد ريعي بدرجة كبيرة يعتمد اساسا على استخراج النفط وبيعه، مما يجعل البلاد تعتمد بدرجة كبيرة جدا على استيراد البضائع والمواد الغذائية. والشركات المعارضة لسياسة الحكومة تحول هذا الواقع الى سلاح في الصراع السياسي، من خلال تقليص العرض، الذي هو محدود أصلا، لإثارة أزمات اقتصادية. يضاف الى ذلك مشكلة التضخم، واتساع تداول العملة في السوق السوداء، وعدم الالتزام بسعر الصرف الرسمي. ولمواجهة هذه المشاكل دعا المؤتمر إلى الخروج من دائرة الاعتماد الكلي على تصدير النفط " يجب دفع الثورة المنتجة الى أمام "، و " شن حرب على الارتفاع المتزايد للأسعار"، وأكد المؤتمر على حماية المكتسبات الاجتماعية، التي تحققت في السنوات الماضية، ومكافحة البيروقراطية والفساد "يجب أن يتحول الحزب إلى أداة لمحاربة توسع الفقر".
ولم تحظ حركة المعارضة الاحتجاجية التي عاشتها البلاد في الاشهر الاخيرة، والتي صاحبتها أعمال عنف أدت الى سقوط عشرات الضحايا،باهتمام المندوبين، فرغم طابعها العنيف فان التظاهرات قد فقدت زخمها وآلت الى السكون، ويعود ذلك إلى تشرذم المعارضة. و لم يلق داخل فنزويلا صدى كبيرا اعلان وزير الخارجية الأمريكي، وبالتزامن مع بدء أعمال المؤتمر، عن منع المسؤولين الفنزويليين من دخول أراضي الولايات المتحدة، بسبب القمع المفرط للمتظاهرين كما يزعم.
ورافق انعقاد المؤتمر حدثين هامين الأول هو الاحتفال بالذكرى الـ 60 لميلاد الرئيس الراحل هوغو شافيز، الذي صادف 28 تموز، والثاني انعقاد قمة بلدان أمريكا الجنوبية والبحر الكاريبي.