مدارات

اليوم اثينا وغداً مدريد؟ قراءة في مسيرة اليسار الإسباني الحاشدة

رشيد غويلب
ستشهد اسبانيا في خريف العام الحالي انتخابات برلمانية عامة. ويعمل حزب "بودوموس" (نحن قادرون) اليساري حديث التشكيل على الاستعداد لقيادة الحكومة المقبلة. وعلى اثر الانتصار التاريخي لحزب اليسار اليوناني "سيريزا"، دعا حزب "نحن قادرون" الخارج من معطف الحركة الاحتجاجية ضد سياسة التقشف، السبت الفائت الى مسيرة حاشدة نحو العاصمة الاسبانية مدريد اطلق عليها "مسيرة التغيير".
وساهم في المسيرة مئات الآلاف من الرافضين لسياسة التقشف، وانصار قوى اليسار الاسباني، وكانت ساحة " بويرتا ديل سول" (بوابة الشمس) الشهيرة في مدريد على موعد مع التجمع الختامي للمسيرة.
وردد المحتشدون شعارات مثل: "االيوم اثينا والآن مدريد"، و "نعم نحن نستطيع"، و "باتحادنا أن نحقق التغيير"، وجاءت هذه الشعارات اشارة الى دخول حكومة رئيس الوزراء راخوي اليمني، الذي تلاحقه فضائح الفساد في مرحلتها الاخيرة، وبداية "زمن التغيير" . وحملت اللافتات مطالب اليسار الرئيسية مثل نظام صحي عام وشامل، وضمان اجتماعي للجميع، والعمل بنظام التقاعد الأساسي. وشوهدت في المسيرة العديد من اعلام الجمهورية، الى جانب اعلام مقاطعات كتلونيا، والباسك، والاندلس، وغاليسيا، وأعلام اليسار الحمراء، وبالطبع الرايات الأرجوانية لحزب "نحن قادرون".
ومما جاء في نداء المسيرة "سيكون عام 2015 ، عام التغير، ومعافاة الديمقراطية، وعام بناء مؤسسات في خدمة المواطنين. وسوف لن يكون ذلك سهلا، ولكننا شهدنا ان ذلك ممكنا. والآن يجب ان نكون في اعلى درجات الاستعداد لهذه اللحظة التاريخية: نعمل بالتزام ومسؤولية،وبدون توقف، وبصدق ونمد الأيدي لجميع الذين نحتاجهم. والهدف هو الوصول الى عقد جديد، والى اكثرية من اجل سيادة الشعب، ولتحقيق التغيير السياسي".
وفي الساعة الواحدة ظهرا كانت الساحة تعج بالحشود. تحدث لويس الغيري السكرتير التنفيذي لشؤون المشاركة في الحزب الى آلاف من الشبيبة المهاجرة، بسبب فقدانها لفرص العمل، نتيجة لانعدام امكانية السكن في وطنها الأم. بواسطة سياسة التقشف وفساد النظام السياسي، لم يكتفوا بسرقة الابتسامة، بل سرقوا ايضا حق الحياة. ولكن هذه الشبيبة الآن مليئة بالبهجة والثقة "نحن نضحك، لأننا سننتصر". وذكرت سكرتيرة التحليل السياسي في الحزب كارولينا بسكانسا، برمزية ساحة التجمع، التي انطلقت منها قبل ثلاثة سنوات حركة "الغاضبون" الاحتجاجية، والتي بدونها ما كان بالإمكان تأسيس حزب "نحن قادرون".
ثم جاء دور بابلو اغليسياس السكرتير العام للحزب، والذي بدأ كلمته بالتذكير بالاجراءات التي اتخذتها حكومة اليسار في اليونان خلال ايام، وطرح سؤالا بطريقة خطابية: "من قال بانك لا تستطيع؟ ومن قال بان الحكومة لا تستطيع تغيير الاشياء؟ في اليونان فعلوا في ستة ايام، اكثر مما تفعله حكومة اخرى في سنوات". واضاف "لقد ملأنا الساحة، لنحقق حلمنا. وهذا العام هو عام التغيير، وسوف نفوز بالانتخابات"، واجابته الحشود المبتهجة : "نعم نحن قادرون، ولحظتنا الآن" . واستطرد السكرتير العام : "لسنا هنا للاحتجاج، وانما لنتعامل مع حلمنا بجدية. والاسبان يريدون التغيير، ويريدون العيش في بلد افضل" واكد بقناعة ان المساواة والحرية ستنتصر على الشمولية المالية.
وقال اغليساس، ان المشكلة ليست الحكومة السيئة، بل النموذج الذي تعمل فيه الدولة ضد المجتمع، لصالح الأقلية، التي تضع الاقتصاد في جيوبها. ان سياسة التقشف شقت البلاد الى مجوعتين الاولى تقبض، والاخرى اكثر فقرا مما سبق، "الى من هم في القمة، ومن هم في الحضيض". يجب ان تمارس المقاومة ضد تحويل الثقافة الى ثقافة السوق، ويجب الدفاع عن التضامن. "ان بلدنا ليس ماركة، بلدنا هو الناس، وهم لا يبيعون انفسهم". ، واضاف " عندما لا يريد من هم في اسفل السلم الاستمرار على هذا الحال، ولا يستطيع من في الاعلى تقديم الجديد ، تنفتح امكانية التحول. وان التقدم على طريق الديمقراطية يشكل امكانية التغيير. والآن هي لحظة التغيير الى مستقبل افضل. وسيكون عام 2015 عام التحول- نحن نستطيع الانتصار". وفي الختام ردد مئات الآلاف اغاني ثورية مشهورة. يبدو ان قلق ساسة الاتحاد الاوربي، من ان تقفز شرارة اثينا الى بلدان اخرى، مشروع.